كيف يستخفون بنا نحن الشعوب

السذج فقط هم يعتقدون بالخير والشر في المسائل السياسية والعلاقات الدولية. هناك دائمًا مصلحة من كل شيء. هذا هو عالم السياسية الـ«ما بعد أفلاطوني»

التلاعب بالشعوب، في كيف يستخفون بنا نحن الشعوب

في عالم السياسية ليس هناك خير أو شر، هناك فقط مصالح، حينما تفعل دولة شيء ينبغي أن نُعمل التفكّر الفاحص والمتشكك على النمط الديكارتي، ونسأل: لماذا قامت الدولة بهذا الشيء؟ ما مصلحتها؟ إنّ الأغبياء والسذّج فقط، هم من يعتقدون أن ما تقوم به دولة ما له بالفعل دوافع أخلاقية أو إنسانية. إن أفضل ممارسة هي التشكيك في أي مبررات أخلاقية قد يعطيها عقلك، وحاول أن تبحث عن السبب الحقيقي. فالمشكلة دائمًا لدى الشعوب، وخاصة الشعوب العربية، أنهم يطبقون قواعد حياتهم اليومية على عالم السياسة: فهو يرى أن ليس له مبرر مادي – بالضرورة – من إعطاء مسكين ما في الشارع بعض من النقود. فيسقط هذا تفكير البريء الساذج على عالم السياسة، معتقدًا بذلك أن إذا ما أرسلت – على سبيل المثال – دولة ما بعض من المساعدات الغذائية لدولة أخرى، كان غرضها في ذلك إنساني بحت، تمامًا كما فعل هو مع ذلك المسكين في الشارع. ولكن في حقيقة الأمر، عالم السياسة قائم على المصالح فقط، حيث هناك دائمًا مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لأي دولة في فعل أي شيء: يستقبلون اللاجئين، لربما لأن هناك حاجة لأيدي عاملة، يدعون لوقف حرب ما، لربما لأنها تعيق خططهم التجارية أو لربما لأن وقف الحرب قد يخدم الطرف الذي يتفق مع مصالحهم، وهلم جرا. 

الآن، بعد أن أسسنا للتفكّر المتشكك والمتفحص في النظر للأمور السياسية، يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا إيران كدولة شيعية تدعم حماس الإخوانية السُنية؟ إن إجابة الأغبياء والُسذّج ستكون على النحو التالي: «إيران دولة خيّرة ترغب في نصرة فلسطين لسببين، الأول لسبب ديني، وذلك لكون القدس قبلة مهمة للمسلمين، والثاني لسبب إنساني، أي نصرة المستضعفين، فهي لا تكترث للتفاصيل الضيقة كسنة وشيعة». بيد أنّ الإجابة الذكية ستكون: إيران دولة لديها طموحات إمبريالية توسعية، ولذلك القضية الفلسطينية مهمة لها، لأنها الأداة الأمثل للسيطرة على الشعوب العربية، وذلك لأن الشعوب العربية مرتبطة عاطفيًا مع هذه القضية. ومثال ذلك، خضوع الدول التالية جزئيًا أو كليًا للسيطرة الإيرانية: لبنان، سوريا، العراق وأخيرًا اليمن. 

وعلى هذا المنوال، يمكننا أن نسأل: لماذا هاجمت حماس إسرائيل في هذا التوقيت؟ هل كان ذلك مجرد صدفة؟ هل تصرفت من ذاتها؟ أو أنّ هناك من دفعها؟ ومن ذا الذي دفعها؟ ولماذا؟ سنجد أنه من الجليّ أن المصلحة الأكبر في هذا الهجوم، تكمن لدى إيران. وقد اختارت هذا التوقيت، لأن السعودية كانت في اتجاهها نحو التطبيع مع إسرائيل. وسبق أن ذكرت إيران بنفسها على لسان رئيسها إبراهيم رئيسي أن تطبيع السعودية يعتبر «خيانة»، وذلك فقط قبل شهرين من هجوم السابع من أكتوبر لحماس. وهي على حق في ذلك، إذ كون السعودية بلد الحرمين يجعلها ذي مكانة أكبر في العالم الإسلامي، فتأثير تطبيعها كفيل بالقضاء على القضية الفلسطينية تمامًا. وفي هذا خسارة لطرفين، الفلسطينيون من جهة، حيث سيخسرون الفرصة لاستعادة أرضهم أو حتى تشكيل دولة، ومن جهة أخرى إيران، باعتبارها المستفيد الأعظم من هذه القضية للأسباب التي ذكرنها في الأعلى. ولهذا السبب أرادت إيران من خلال هذا الهجوم على إسرائيل، قطع الطريق أمام السعودية للتطبيع، وقد نجحت في ذلك، أو على الأقل أخرت عملية التطبيع. وهنا يجب أن نسأل أيضًا، هل يعني هذا أن مصلحة الفلسطينيين تتفق الآن مع مصلحة إيران؟ فالفلسطينيون يرغبون في تحرير بلدهم، وإيران ترغب في حكم العرب من خلال استغلال قضيتهم.  بيد أنّ في الحقيقة، ليست من مصلحة إيران انتصار القضية الفلسطينية، فانتصارها كموتها بالنسبة لها، فهذا يعني فقدانها الأداة الأمثل للسيطرة على الشعوب العربية. ولهذا السبب تحديدًا ينبغي دائمًا أن يكون الفلسطينيين في حالة دفاع ومقاومة، بشكل لا يستردون أرضًا، ولا تحل لهم قضية، ولا حتى بحل الدولتين. 

ولنأتي الآن لمسألة الجماعة السُلالية الحوثية، وكما تعودنا، يجب أن نسأل ونبقى في حالة شك لنجد الحقيقة. ما هي دوافعهم الحقيقية في محاولة استفزاز إسرائيل وأمريكا؟ ولماذا الآن؟ إنّ إجابة الأغبياء والسذج ستكون على النحو التالي: «الحوثيون أبطال، لم ينسوا إخوتنا في فلسطين، إنهم فعلًا رجال، أتو لنصرة القضية الفلسطينية ونصرة القدس والخ…» بيد أنّ الإجابة الذكية والمتفحصة تحتاج في البدء إلى الإجابة على الأسئلة التالية: ما هو وضع المواطنين اليمنيين في الداخل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ ما هو وضع اليمن ككل حاليًا؟ كيف تُأثر العلاقات السعودية الحوثية على هذه المسائل؟ وإذا ما حاولنا الإجابة، سنجد أن الهدف من هذا الهجوم في حقيقة الأمر، هو صرف انتباه المواطنين عن انقطاع الرواتب ومعانتهم الحقيقة، وتوجيهه نحو الخارج، نحو العدو الخارجي الجديد. فالنظام الذي أسسه الحوثيون هو نظام شمولي بنكهة إسلامية سُلالية، وطبيعة النظام الشمولي، هو البحث عن عدو خارجي يُمكِنه من إحكام قبضته على الشأن الداخلي وقمع أي محاولة لإشعال ثورة داخلية. ويمكن النظر للعدو الخارج، باعتباره وسيلة لتمديد فترة صلاحية النظام. وبما أن صلاحيتهم كانت على وشك الانتهاء، وذلك نظرًا لتغير طبيعة العلاقات السعودية الحوثية، فمع بدء السعودية خطواتها لسحب يدها تمامًا عن اليمن، كان من الضروري البحث عن عدو جديد.

تعلمنا هنا، أن السذج فقط هم من يعتقدون بالخير والشر في المسائل السياسية والعلاقات الدولية. هناك دائمًا مصلحة من كل شيء. هذا هو عالم السياسية الـ«ما بعد أفلاطوني»، أحببته، أو كرهته، فهذا شأنك؛ لكن إذا لعبت خارج قواعد اللعبة، ستخسر دائمًا. ولذلك، كمواطن ينبغي لك أن تعرف أن السياسيين يسعون دائمًا للتربص بك، يحاولون استغفالك، ويستغلون عواطفك الإنسانية لتحقيق مصالحهم على حساب مصلحتك أنت كمواطن، وعلى حساب قوت يومك وجودة حياتك وحريتك بل وحتى كرامتك. ولا يعني هذا ألا تقف مع فلسطين، فبالرغم من كل هذا، ما تزال القضية الفلسطينية عادلة في حد ذاتها. ولكن يجب أن تعرف أن هناك من يحاول استغلاها للإيقاع بك، فتوخى الحذر!

تنويه: هذا المقال لا يمثل بالضرورة رأي أو اتجاه سياسور


احرص على أن يصلك جديد عن طريق الاشتراك في قناتنا

على التلغرام

أحدث المقالات

  • تاريخ العلوم السياسية

    تاريخ العلوم السياسية

  • وهم الثراء 

    وهم الثراء 

  • لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

    لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

  • إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

    إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

  • ملخص كتاب رأس المال (2)

    ملخص كتاب رأس المال (2)