ظلت منطقة الشرق الأوسط محور اهتمام كثير من القوى العالمية التي نظرت إلى هذه المنطقة على أنها غنيمة، لم تكن هذه المنطقة سواء منطقة صراع بين تلك القوى العالمية التي حاولت جاهدة فرض سيطرتها عليها حتى باتت جزء من خطط تلك القوى الاستراتيجية، بل وأصبحت جزء من أهدافها القومية وأصبح أي خطر يهدد تلك المنطقة يمس بطريقة مباشرة المصالح الحيوية، بل والقومية أيضاً لتلك الدول، ظل الصراع قائم على هذه المنطقة بين تلك القوى حتى أن بعض تلك الصراعات انتهت باتفاقيات وتفاهمات بين هذه الدول.
ومن تلك الاتفاقيات ما كان عبارة عن تقاسم لتلك المنطقة كما حدث في اتفاقية ” سايكس بيكو” وكانت حينها الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً عن بقعة هذا الصراع لأن الولايات المتحدة كانت تتبع سياسة انعزالية بنائية، جاءت بعدها الحروب العالمية الأولى والثانية والتي غيرت كثيراً في سياسة تلك القوى الدولية وتغيرت بنود واهتمامات الكثير من تلك الدول، حيث أتخذ الصراع طابع مختلف من السيطرة، أفضى إلى السيطرة الفعلية الاستعمارية، حتى أصبحت منطقة الشرق الأوسط منطقة الأحداث الدولية بل أصبحت المؤشر الأول والأهم لتوزيع المصالح بين القوى العظمى، والعامل الرئيسي لتشكيل التكتلات والتحالفات الدولية والإقليمية، فصارت الدول تتخذ سياساتها الخارجية تجاه بعضها البعض بناء على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
لقد تظافرت جملة من الأسباب الواسعة والتي جعلت منطقة الشرق الأوسط منطقة صراع وساحة للتنازع والأطماع الإقليمية والدولية تزامن معها ضعف واضح للكيانات الحاكمة والمسيطرة فكانت منطقة الشرق الأوسط أشبه بكبش سمين بلا راعي كل ذلك جعل من المنطقة محل أطماع من القوى الغربية وأشبه بساحة نزاع شاسعة لتصفية الحسابات الدولية بين القوى العظمى.
فقد انحصر صراع العالم وصراع القوى الكبرى على هذه المنطقة منطقة الشرق الأوسط على استخدام الأداة الاقتصادية والتركيز عليها، هذه المنطقة التي تمثل الدول المستهلكة والمستوردة والاهم دول تحوي على66%من احتياطي النفط العالمي عدا الثروات والموارد الطبيعية الأخرى وإضافة لأنها من اهم الأسواق العالمية للمنتجات الغربية، كل ذلك جعل منها منطقة هامه للصراع والنفوذ.
وأيضا شكلت التدخلات الخارجية في سبيل فض النزاعات الداخلية والمفتعلة أساس من تلك القوى وهو واحد من أهم أسباب النزاع والصراع في المنطقة وبالتالي لا يمكن لأي إدارة مهما كانت حكيمة إدارة هذا الصراع تحت بنود انسانية كون الصراع في غالبة ناجم عن قناعة تامة لدى أطراف الصراع نفسها، وبالتالي فإن إدارة هذا الصراع يحتاج نوع من القوة والحزم وممارسة سلطة الإصلاح والردع معا كي تنجح سياسة الردع على أن يكون الردع مسالة مؤقته.
بالإضافة إلى مستوى الوعي العربي أي مستوى الوعي لدى المواطن العربي فهذا البند من أهم الأسباب الذي جعل المنطقة بأكملها تغرق بالصراعات، وطبيعة ممارسة الأنظمة لسلطاتها داخليا وهو في اغلبه كان مصحوب بالهيمنة من قبل كيان الدولة و قاد إلى محدودية دور الموطن حتى على مستوى الأنظمة الجمهورية.
وبالتالي فقد أدى تهميش المواطن العربي وتغليف الوعي تحت شعار الحفاظ على الأنظمة القائمة إلى كبت جناح قدرة المواطن في لعب دور فعال في اتخاذ القرارات أو حتى التأثير فيها بل قادة جملة من الأسباب ومن أهمها الأسباب الاقتصادية إلى تجاوب المواطنين مع موجات الصراع القائمة والمشاركة فيها، لقد تطور صراع القوى الكبرى التي اتخذت من الشرق الأوسط ساحة معركة إلى الإفراط في بيع واستيراد السلاح وهو ما جعل المنطقة منطقة الاستيراد العالمي للسلاح ومنطقة التجارب وما خلفته هذه التجارب من كوارث إنسانية طبعت في الذاكرة الإنسانية، وربما أن هذا السبب من أهم الأسباب الذي جعل المنطقة تشتعل كون مردودات بيع السلاح دفعت اقتصاديات الدول الموردة إلى مستويات عالية جدا على حساب الدول المشتعلة اقتصاديا وإنسانيًا.
ومن أحد أهم العوامل أيضاً هو أن الشرق الأوسط يعاني من شح ملموس في معايير الحرب وفض النزاعات بالمقارنة مع مناطق العالم الأخرى وكان من نتائج ذلك أن المنطقة تحولت بجميع بقاعها إلى وكر دبابير من التدخلات العسكرية والأسوأ من كل ذلك أن السلاح الذي تزود به المؤسسات العسكرية في البلدان الهشة أو الحافلة بالفساد، قد يتسرب ويقع بين ايدي الإرهابيين والميلشيات وفاعلين آخرين غير دوليين.[1]
لقد ترك استيراد السلاح بتلك الكميات الهائلة الى وقوع تلك الأسلحة في ايدي جماعة إرهابية وطائفية متطرفة فتوسعت دائرة الصراع وهو ما عقد عملية إحلال السلام بظهور هذه الجماعات وأصبحت إدارة النزاع من الأمور الأكثر صعوبة خصوص بعد عملية توظيف تلك الصراعات لصالح دول عظمى حاولت الاستفادة قدر الإمكان من عملية الصراع لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية وهو ما حدث مع إيران التي حاولت الاستفادة من الصراع في اليمن وسوريا لتحريك ملفها النووي وخروجها باتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، قادة تلك التدخلات الدولية إلى تفاقم الأمور وولدت حركات دينية، وحركت النزعة الوطنية بين أوساط المواطنين.
وربما أعطت تلك التدخلات الذريعة الشرعية للقتال حتى تحول بعض هذا النزاع إلى نزاع عقائدي شرس وهو ما اكسبه مزيد من العنف ومد في عمر الصراعات وجعل دائرتها تتوسع وأصبح هنا القتال مشروع تحت شعار الجهاد ومكافحة التدخل وربما تنطبق هذه الحالة على اليمن، وعلى الرغم من أن كثير من الصراعات حدث فيها تدخلات خارجية إلا أن هذه التدخلات تم توظيفها وحولت الصراع والنزاع بطريقة مأساوية إلى مصالح لبعض القوى وتحت شعار إدارة النزاع في المنطقة” فإن إدارة الحرب الحديثة أصبحت تتخذ المعايير الاستراتيجية الآتية:
- اختلاق عدو للعدو.
- عقد اتفاقات عسكرية لمساعدة العدو تجاه عدو.
- إدارة الحرب في ارض العدو.
- دعم الحركات الانفصالية أو الفصائل المسلحة خارج الدولة وإشغال النظام بالصراع الداخلي”[1].
لقد لعب العالم دور مأساوي في هذه الصراعات وتحت مسمى إدارة النزاع حتى أصبح مسمى إدارة النزاع مقرون بالتدخل العسكري أو السياسي والذي حرك الصراع باتجاه أعنف وأكثر دموية وأخذ طابع آخر استفادت منه حتى القوى المتصارعة داخلي فصارت شعاراتها الرائجة هي مكافحة التدخل والحفاظ على كيان الدولة.
عموماً رغم كل ما ذكر إلا أن إدارة النزاع أصبحت ضرورة يجب العمل عليها خصوصًا في ظل التفاقم الإنساني والاقتصادي وتدهور الأوضاع في المنطقة العربية وربما إدارة النزاع ليس بالكلمة السهلة خصوصًا في ظل قصور الإمكانات الفكرية في المجتمع العربي على الرغم من سعة الخبرة في جانب الصراع إلا أن إدارة الصراع مسالة صعبة والتركيز عليها ضرورة حكمتها أوضاع المنطقة المشتعلة لذلك دراسة إدارة النزاع كفرع مستقل هو أمر مهم لإنتاج خبرات عربية للتعامل مع هذه الصراعات من منطلق علمي واقعي مدروس وفق أسس علمية.
فهذه الدراسة يمكن أن تحقق الاستقرار في منطقة الشروق الأوسط وهذا يعتمد على المتقدمين لدراسة هذا المجال ومدى فعليتهم وقدرتهم في مجتمعاتهم في نقل تجرِبة دراستهم إلى أرض الواقع وقدرتهم على التطبيق.
ودراسة إدارة النزاع والعمل الإنساني أمر مهم خصوصا في مجتمعات أصبح الصراع له طابع تاريخي ولا نبالغ إن قلنا انه أصبح أثري، وصفت به المنطقة العربية وبذلك تسليط الضوء على هذا المجال جاء متأخر على الرغْم من أن الصراع في المنطقة تاريخي، وعلى المدى البعيد ستثمر نتائج الدراسة هذه خصوصا بعد أن ينتج هذا الفرع طلاب سيكونون مؤهلين على المدى المقبل في المساهمة وإدارة النزاعات من حولهم وبالتالي تشكيل شريحة واسعة وواعية تستطيع دراسة النزاع وفق أسس علمية والسيطرة علية وإدارتها وتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة العربية.
فهذه الدراسة هي أشبه باللقاحات لهذه المجتمعات للوقاية من الأمراض وعلى هذا ستكون الخبرة التاريخية والدراسة العالمية أكثر فعالية في إدارة هذه الصراعات والتعامل معها وفق أسس وطنية هدفها الأول والأخير إنهاء الصراع بعيد عن التدخلات الخارجية.
[1] علي الخفاجي ,ادارة النزاعات الحديثة وحرب الاقطاب الدولية ومستقبل العالم الرأسمالي , المركز الديمقراطي العربي , https://democraticac.de/?p=31011 ,17/1/2020 الساعة 11مساء .
[1] بيري كاماك , اشعال الصراعات في الشرق الاوسط او اخماد النيران , مركز كارينغي للشرق الاوسط , https://carnegie-mec.org/2019/01/21/ar-pub-78168 , 17/1/2020 الساعة 10مساء .