الاقتصاد والاتحاد (الاتحاد الأوروبي بين التجاذب والتنافر)

أهم التحديات التي تواجه الاتحاد أزمة الديون اليونانية وإنهيار البنوك , فقد ادت الى تراجع السوق الاوروبية و هبوط الأسعار و تمثل هذه  الازمة معضلة في طريق الاتحاد الاوروبي والتي قد تقود كثير من الدول الى الإنفصال عن هذا الاتحاد , وربما قد تكون بداية انهيار للإتحاد الاوروبي كما وصفها بعض المحللين …

قادت الحربان العالميتان وما خلفتهما من آثار كارثية إلى ترك صورة مؤلمة من الدمار والتشرذم العالمي، وكانت أوروبا هي الساحة التي احتضنت وشهدت كل تلك الصراعات، وقد قادت حملة التحالفات والصراعات بين أقصى الشرق وأقصى الغرب إلى انقسام التوجه الأوروبي حسب مخلفات الحرب التي قادت الدول إلى مجموعة تجاذبات وتنافرات حكمتها مصالح تلك الدول، وعلى مخلفات تلك الحروب تأسست تلك الاتحادات والتكتلات مختلفة الأهداف والتوجهات، وكغيرهم سعى الأوروبيون إلى إنهاء حالة التشرذم تلك  في سبيل الحفاظ على ذاتها، ومن منطلق المصالح القائمة، تأسس الاتحاد الأوروبي الذي يتكون من 28 دولة والذي كان الاتحاد الأبرز في العالم، فقد كان الدافع الأساسي له هو المصالح المشتركة، فهو اتحاد جمع بين الكونفدرالية والاتحاد، لقد تأسس الاتحاد الأوروبي على قاعدة اقتصادية بحتة، تأسس بتاريخ 1951 بين ثلاث دول ” فقد كان مبنيًا أساسًا في ذلك الوقت على إيراد الحديد والفحم ثم توسعت العلاقات التجارية الداخلية بين الدول والاتحاد عدة مرات في السبعينات لتشمل بريطانيا وإيرلندا والدنمارك “[1].

ثم بعدها تزايد إقبال تلك الدول للانضمام إلى الاتحاد بدافع المصلحة وبحثًا عن الاستقرار والازدهار، خصوصًا بعد المرحلة المريرة التي عاشتها تلك الدول في ظل الدكتاتورية والفقر والحروب، لقد كانت التجربة الاتحادية في أوروبا تجربة فريدة من نوعها جعلت الكثير من الدول تفكر بوضع نموذج مشابه، وقد حقق الاتحاد الأوروبي إنجازات اقتصادية هائلة على الساحة الدولية، وإنجازات على مستوى الحقوق والحريات وحرية التنقل والاندماج بين شعوب دول الاتحاد مع الحفاظ على خصائص تلك الشعوب، وفي ظل العولمة، فقد شكلت تلك المرحلة نقطة التقاء بين تلك الدول، ولأن التغير سنة من سنن الحياة السياسية بدأت المتغيرات الدولية والإقليمية تظهر حيث ” شهدت أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي تراجعًا كبيرًا في أنظمتها الاقتصادية، فإلى جانب ضعف الأسواق المالية الأوروبية، والتراجع اللافت لمؤشرات نموها التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت أرقامًا هائلة في العديد من البلدان المؤثرة في الاتحاد “[2].

ويعيش الاتحاد أصعب مراحله بسبب توالي الأزمات الداخلية عليه والمتغيرات الدولية، ومن أهم تلك التحديات أزمة اللاجئين حيث قادت الصراعات في منطقة الشرق الأوسط إلى وفود الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا عن طريق البحر مما أدت تلك الهجرة غير الشرعية إلى موت المئات منهم وسط البحار، والذي قاد إلى ظهور خلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بين الرافضين وغير الرافضين لقدومهم، بل حتى إن الرافضين اختلفوا حول كيفية وطريقة مواجهة تلك الأمواج من اللاجئين، “كما أحرجت المبادئ الإنسانية للاتحاد الأوروبي الفاعلين السياسيين في هذه الدول، على اعتبار أن المنطق الإنساني المعمول به أوروبيًا يحتم قبول موجات اللاجئين ومنحهم حق اللجوء، في الوقت الذي لا ترغب فيه هذه الدول بإحداث أي تغييرات ديموغرافية وثقافية جديدة قد تعمق بعض مشاكلها القائمة في هذا الإطار، وهو ما خلق تباينات كبيرة في مواقف الدول المنضوية داخل الاتحاد الأوروبي، ويرجح بعض المتابعين أنها قد تضرب على المدى القصير والمتوسط هيكلة الاتحاد خاصة في ظل وجود إشكالية الحدود وستكون محاولة إيجاد صيغة مشتركة للتعامل مع ظاهرة الهجرة التي دعت إليها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التحدي الأكبر الذي سيواجه دول الاتحاد لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة “[3].

وأيضا من أهم التحديات التي تواجه الاتحاد أزمة الديون اليونانية وانهيار البنوك، فقد أدت إلى تراجع السوق الأوروبية و هبوط الأسعار و تمثل هذه  الأزمة معضلة في طريق الاتحاد الأوروبي، والتي قد تقود كثيرًا من الدول إلى الانفصال عن هذا الاتحاد، وربما قد تكون بداية انهيار للاتحاد الأوروبي، كما وصفها بعض المحللين .

وأيضًا خروج بريطانيا من الاتحاد، وقد سعى الاتحاد الأوروبي جاهدا منعها من الخروج “حيث أصبح الاتحاد حسب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، الذي دعا في مناسبات عديدة إلى خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، أكثر تدخلا وتقييدا لحياة الأوروبيين، أو بمعنى آخر أصبح عبئا كبيرا عليهم. وقد حددت بريطانيا التي انضوت تحت لواء هذا الاتحاد منذ سنة 1973 عام 2017م، موعدا لإجراء استفتاء حول هذا الانفصال من عدمه”[4]، وفعلا تم لبريطانيا الخروج والمخاوف الأوروبية لم تنتهِ ببريطانيا، بل إنها تخشى أن تحذو دول أخرى حذو بريطانيا، لقد خلفت الأزمات التي واجهها الاتحاد الأوروبي و المتغيرات الدولية التي فشل الاتحاد الأوروبي في مواجهتها، فقدان الثقة بالاتحاد الأوروبي وسياسته خصوصا بعد عجزه عن مواجهة أزماته الداخلية، والتي أحيت النزعة الوطنية، و بدأت الأصوات ترتفع داخل دول الاتحاد مطالبة بالانفصال، لقد طغت المصالح الوطنية على الأعضاء وهو ما أضعف سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الكثير من القضايا الداخلية والخارجية.

 وبالرغم من ذلك لقد حقق الاتحاد الأوروبي إنجازات عظيمة على الساحة الإقليمية والدولية، فقد مثل الاتحاد الأوروبي نقلة نوعية ونموذجًا رائعًا للاتحاد الحقيقي المبني على المصالح المشتركة والتي تحاول الحفاظ على أعضائها، وقد تميز النموذج الأوروبي عن غيره من الاتحادات بأنه جعل للسلطات الاتحادية كيانًا وسيادة وسلطة حقيقية مما جعله نموذجًا بارزًا ” حيث حقق الاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي مكاسب كبيرة في السياسة الخارجية، بما في ذلك الصفقة النووية مع إيران، وفرض عقوبات على روسيا، وإقامة حوار فعال بين كوسوفو وصربيا؛ وتعزيز نفوذه في بعض البلدان الإفريقية والتوقيع على اتفاقية اللاجئين مع تركيا”[5].

وبالرغم من كل ذلك فإن النموذج الأوروبي لا يمثل خطا في نظريات التعاون الإقليمي، فالتعاون والاتحاد هي مرحلة تاريخية تستدعيها ضرورات البقاء، ولأن المتغيرات الدولية غير مستقرة فإنها تفرض على هذه الأنماط من الاتحادات سلوكًا قد يؤدي إلى انفراط عقد الاتحاد، وهذا لا يعني فشله، بل إن هذه الاتحادات قامت نتيجة ظروف تاريخية هدفها تحقيق مصالح وطنية بالدرجة الأولى، ولأن المتغيرات الدولية تفرض واقعًا جديدًا قد يتعارض مع هذه المصالح فيضطر أصحاب المصالح إلى فرط عقد تلك الاتحادات والتكتلات في سبيل الحفاظ على المصالح، فالثابت هنا هي المصلحة وما دونها قابل للتغيير، لذلك فالاتحاد الأوروبي ظاهرة حسنة جاء كضرورة ولن ينتهي إلا حين يصبح انتهاؤه ضرورة، واعتقد أن الاتحاد الأوروبي لازال يملك الفرصة للعودة من جديد، وأنه سيكون واعدًا؛ وذلك إذا ما أدركت دول الاتحاد نفسها التحديات والتهديدات الإقليمية والدو لية التي تحيط بها،  وأن الاتحاد هو السبيل الوحيد للبقاء والاستمرار .


[1] ندوة بعنوان “الاتحاد الأوربي التجربة والتحديات “، باتريك ديبويك، مدير الندوة إبراهيم إسماعيل، عام 2007.

[2] مستقبل الاتحاد الأوروبي على محك الأزمات الداخلية والخارجية، موقع العرب، الخميس 24/1/2019، الساعة 4 عصرا، https://alarab.co.uk/.

[3] مستقبل الاتحاد الأوروبي على محك الأزمات الداخلية والخارجية، مرجع سابق .

[4] مرجع سبق ذكر.

[5] ما هي الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تقويض سياسة الاتحاد الأوروبي في المنطقة؟، موقع الوقت، الأربعاء23/1/2019م، الساعة 7 صباحًا، http://alwaght.com/ar/.


احرص على أن يصلك جديد عن طريق الاشتراك في قناتنا

على التلغرام

أحدث المقالات

  • تاريخ العلوم السياسية

    تاريخ العلوم السياسية

  • وهم الثراء 

    وهم الثراء 

  • لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

    لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

  • إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

    إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

  • ملخص كتاب رأس المال (2)

    ملخص كتاب رأس المال (2)