مواجهة السلطة الفلسطينية للتهويد والاستيطان(2004م -2016م)

لقد نشأت السلطة الفلسطينية في عام 1994م على خلفية اتفاق أوسلو، وقد كلن الاتفاق يقضي على إقامة سلطة فلسطينية على كل جزء محرر من الأرضي الفلسطينية وقد حرصت إسرائيل على التخلص من إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة  في ذلك الوقت ولهذا دخلت المفوضات في أوسلو على أمل القضاء على الإدارة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع…

المقدمة عن السلطة الفلسطينية

لقد نشأت السلطة الفلسطينية في عام 1994م على خلفية اتفاق أوسلو، وقد كان الاتفاق يقضي بأن تتولى سلطة فلسطينية على كل جزء محرر من الأراضي الفلسطينية، وقد حرصت إسرائيل على التخلص من إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة  في ذلك الوقت، ولهذا دخلت المفاوضات في أوسلو على أمل القضاء على الإدارة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانتفاضة عام 1993م.

ولو نظرنا إلى القيادات التي تحكم السلطة الفلسطينية لرأينا بأن حركة فتح هي من ينفرد بتحديد المسار السياسي الفلسطيني، وقد اعتمدت السلطة الفلسطينية والنظام السياسي في فلسطين على قيادة الشخصيات الكاريزمية من أحمد الشقيري حتى ياسر عرفات (أبو عمار)، وقد يعتبر هذا قيد من القيود على السلطة الفلسطينية؛ لذا ، سيقوم الباحث بدراسة المواجهات التي قامت بها السلطة الفلسطينية بعد عام 2004م حتى عام 2016م.

مشكلة الدراسة

ويمكن صياغة مشكلة الدراسة عن طريق التساؤلات الآتية:

ما هو الدور الذي لعبته القيادة الفلسطينية بعد رحيل أبو عمار في مواجهة استيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية؟

ويمكن إضافة أسئلة فرعية تدور حول السؤال السابق:

  • هل أثر أبو مازن على المفاوضات الفلسطينية سلبا واستطاع أن يعرق مشروع تهويد الأراضي الفلسطينية؟
  • هل ما زالت السلطة الفلسطينية قادرة على أن تواجه الاستيطان والتهويد؟
  • ما الدور الذي يلعبه أبو مازن في تقديم المفاوضات؟

الإجراءات المنهجية

لقد اعتمد الباحث في دراسته على نتائج المفاوضات المنشورة في مراكز الدراسات، وكذلك تقارير عن توسع التهويد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وكذلك تقارير المنظمات الدولية والإقليمية، وما ينشر في مراكز الأبحاث.

أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى بيان الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في مواجهة التهويد للمستوطنات من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

الإطار الزمني للدراسة

ما بعد وفاة الشهيد ياسر عرفات (أبو عمار) في 11نوفمبر من 2004م إلى يوليو 2016م.

المفاهيم الإجرائية

تعريف السلطة بشكل عام: السلطة هي القوة الحقيقة والفعلية لتنفيذ إرادة القيادة الإدارية المجسدة في شكل قرارات وأوامر ونواهي تنصب كلها نحو اتجاه واحد يسمى النشاط الإداري أو الأعمال الإدارية على اختلاف أنواعها ومصالحها، والسلطة “غير التسلطية الاستبدادية” هي التي تضمن الحقوق لأصحابها، وتحميها أيضا في الإطار الشرعي والقانوني.[1]

تعريف السلطة الفلسطينية: هي سلطة من المفترض أن تكون ذات حكم ذاتي فلسطيني كان نتاج الاتفاق الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في إطار حل الدولتين. أنشئت بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني  في دورته المنعقدة في 10 أكتوبر 1993 في تونس، ويعول عليها أن تكون نواة الدولة الفلسطينية المقبلة على جزء من أرض فلسطين وهي: الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تشكل مساحة هذه الأراضي ما نسبته 22% من إجمالي أرض فلسطين التاريخية. وهي هيئة إدارية مؤقتة مسؤولة عن الفلسطينيين داخل هذه الأراضي، والذين بلغ عددهم في عام 2008 قرابة 4 مليون فلسطيني – أي ما نسبته 36.6% من العدد الإجمالي للفلسطينيين في العالم[2].

مواجهة السلطة الفلسطينية للتهويد

بعد أن توفي الشهيد ياسر عرفات في 2004م انتقلت زمام أمور السلطة الفلسطينية إلى يد أبو مازن محمود عباس، وقد اتبع نهج سلفه في إدانة التهويد وحاول جاهدا إحياء عملية التسوية تحت شرط تجميد الاستيطان، وهنا عند تغيير القيادات العربية يتغير الموقف أو الحشد للموقف كما كان يعمل أبو عمار ذو الشخصية الكاريزمية وصاحب العلاقات الواسعة عربيا ودوليا، فقد قوبل أبو مازن بالرفض الإسرائيلي تماما وقد رافق ذلك انسحاب إسرائيل في 2005م من قطاع غزة، متجهة بحشد قوتها إلى القدس الشرقية والغربية لتثبيت الاستيطان على مرأى ومسمع من العالم [3]، ولم تعمل تحركات أبو مازن شيئا مقابل التحرك الإسرائيلي وذلك يعتبر من أوائل الإخفاقات التي واجهتها السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وبعدها فشلها في المصالحة الفلسطينية بعد الانتخابات عام 2006م.

ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى عام 2000م جاء الانتقام الإسرائيلي بالمصادقة على بناء عدد كبير من وحدات الاستيطان الجديدة، فقد زاد عدد بناء المستوطنات من عام 2000 إلى عام 2005، حيث وصل عددها قرابة 1184وحدة سكنية، منها 529 رخصة شرق مدينة القدس [4]، ويظل موقف السلطة الفلسطينية كما عرفناه مكتوف الأيدي لا يستطيع تحريك أي ورقة لإيقاف الاستيطان وتهويد المستوطنات.

وقد اجتهدت السلطة الفلسطينية في وقف الاستيطان بكل ما تملك، وفي 25/11/2009 أعلن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وقف الاستيطان وتهويد الأحياء السكنية في الضفة الغربية باستثناء القدس، وقامت حكومة نتنياهو خلال هذه الفترة بإصدار أوامر في بناء مستوطنات جديدة في القدس وكأنها تحاول تعويض توقف الاستيطان في الضفة الغربية، وقد نفذت خلال عشرة أشهر فقط بناء 700 وحدة سكنية في القدس، وقد بلغ إجمالي المستوطنات في الضفة الغربية في أثناء التجميد قرابة 2600 وحدة سكنية، وقد استمر العمل فيها أثناء التجميد، وقد أشارت تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية قد بلغ 536546 مستوطنًا إلى نهاية 2012م ويسكنون في 144 مستعمرة منها 26مستعمرة في محافظة القدس[5].

ما يبدو عليه التقرير للإحصاء السنوي دليل دامغ على ضعف السلطة الفلسطينية في مواجهة الاستيطان والتهويد الذي تقوم به إسرائيل، وكذلك دليل واضح على أن إسرائيل لا تلتزم بقراراتها وإعلاناتها التي تظهرها للعامة والمجتمع الدولي، فهناك استمرار في الاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية على رغم إعلان إسرائيل نفسها وقف الاستيطان على لسان رئيس وزرائها، هذا يعني أن إسرائيل لا تأبه لأي رقابة دولية لأنها واثقة من عجز السلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي المنافق.

لقد بات عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في ارتفاع سنويا، دون توقف مهما أعلن عن توقف المستوطنات، ولو لاحظنا الجدول التالي لرأينا أعداد المستوطنين وتهويد الأراضي الفلسطينية على الاستمرار وأرقام مهولة وكبيرة في الجدول، ولوحظ من خلال متابعة أعمال السلطة الفلسطينية وأعمال سلطة الاحتلال بأن الأخيرة مصرة على تهويد الأراضي الفلسطينية مهما كلف ذلك، وأن السلطة الفلسطينية عاجزة أو تدعي العجز في وقف الاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية.

الجدول رقم (1): عدد المستوطنين في الضفة الغربية من عام 2004- 2012م[6]

السنةشرقي القدسباقي الضفة الغربيةالمجموع
2004185557239722425279
2005191575295866451441
2006201139274621475760
2007193485288726482211
2008197071304283501354
2009192768318971511739
2010196178322796518974
2011199647339134538781
2012203176360370563546

أما ما يخص قطاع غزة فهناك 18 مستوطنة يهودية بلغ عدد المستوطنين فيها قرابة 8500 مستوطن في عام 2005م فقط، ولكن بعد خطة “فك الارتباط” أحادي الجانب من قبل إسرائيل التي قضت بتفكيك المستوطنات الموجودة في خان يونس وبيت لاهيا، عندما ننظر إلى الجدول السابق فإن عمليات التهويد مستمرة بالنسبة لإسرائيل، وإن القيادات الفلسطينية مكتوفة الأيدي، بل ويتسابقون على التفاوض مع إسرائيل.

تطور موقف السلطة الفلسطينية من الاستيطان والتهويد بعد عام 2004م

لقد نص إعلان المبادئ الفلسطينية –الإسرائيلية بشأن الحكم الذاتي في 13/9/1993 على تأجيل موضوع المستعمرات إلى مفاوضات الحل النهائي، وفي الوقت نفسه وافقت إسرائيل على تحويل بعض الصلاحيات إلى الفلسطينيين لكن هذه الصلاحيات لم تشمل أيا من أراضي الاستيطان، واقتصر الموقف الفلسطيني الرافض للاستيطان على بعض مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية قبل تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994م [7].

لقد انقسم الوضع الفلسطيني بعد الانتخابات التشريعية 2006م إلى السلطة المتمثلة في حركة فتح ومناصريها والمعارضة المتمثلة في حركة حماس ومن معها من بعض فصائل المقاومة، بعد أن قمعت إسرائيل حماس بكل وحشية، فقد انقسم الموقف الفلسطيني إلى قسمين وكانت المواقف كذلك منقسمة، أما من الجانب الإسرائيلي فمشروعهم مستمر حسب الخطة حتى وإن تغير رئيس وزراء تلو الآخر فإن السياسية الإسرائيلية للاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية لا تتغير، ولقد جُعِلت إيهود ألمرت رئيسة الوزراء في 2006 خلفًا لأريل شارون، وكذلك نتنياهو خلفا لألمرت والسياسة الإسرائيلية الاستيطانية مستمرة كما هو موضح في الجدول السابق .

أما ما يخص السلطة الفلسطينية فقد ظهرت مواقفها في العديد من القضايا ضعيفة جدا بعد الانقسام الحاصل بين فتح وحماس، ظل الصراع الفلسطيني-الفلسطيني هو الأبرز، وإسرائيل تصدر كل عام قرارات ومشروعات عملاقة للاستيطان سواء أكانت قرارات من فوق الطاولة أم من تحتها، وموقف السلطة عاجز غير قادر حتى على عرقلة تلك القرارات التي تستهدف الأراضي الفلسطينية بالاستيطان والتهويد.

وفي مؤتمر نابوليس في 27/11/2007 دعا محمود عباس إلى بدء عملية تفاوضية شاملة وعميقة حول جميع القضايا ذات العلاقة، وأضاف بأنه علينا أن ندعم خطوات هذا التفاوض بخطوات مباشرة وملموسة على الأرض تثبت بأننا نسير في طريق لا ارتداد عنه نحو السلام الشامل والكامل، بما يشمل وقف النشاط الاستيطاني، متكئا على موقف الرئيس الأمريكي الذي دعم فكرة عدم التفاوض إلا بعد التجميد الكامل للاستيطان[8].

وكالعادة، الذي يتوقعه الفلسطينيون من مشروع أبو مازن بأن يقابل بالرفض، بل إن عملية وقف الاستيطان من أكبر العقبات التي تواجه محمود عباس والسلطة الفلسطينية.

خلاصة

يمكن القول بأن الاستيطان والتهويد للأراضي الفلسطينية مستمر مادامت إسرائيل موجودة بكل شكل من الأشكال، وأن السلطة الفلسطينية عاجزة أمام وقف الاستيطان والتوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وأن إسرائيل ستظل تمارس سياسيات استيطانية تجاه فلسطين وخصوصا في مدينة المقدس وكذلك ستعمل على تهويد المعالم الإسلامية داخل فلسطين مثل المسجد الأقصى.

تتصف مواقف السلطة الفلسطينية بالضعف تجاه السياسات الاستيطانية والتهويد، وذلك لممارسة إسرائيل ضغوطًا على السلطة الفلسطينية، إلا أنه في المستقبل ستزيد السلطة الفلسطينية من مواجهة السياسات الاستيطانية، وخصوصا تقديم ملف الاستيطان في المحافل الدولية.

قائمة المراجع

  1. د. مشعل بن سليمان العنزي – محاضرة بعنوان السلطة مفهومها وأهميتها …-جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –ص2- من عام 2013م- المصدر على الرابط التالي:http://cutt.us/IkDJ.
  2. أ. حياة محمد الددا- دراسة بعنوان: مواجهة السلطة الفلسطينية للاستيطان. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات –بيروت –عام 2015م –ص14.
  3. [1]نواف الزورو- دراسة بعنوان: جدليات الاستيطان وآفاق التسوية –مركز الجزيرة للدراسات الإستراتيجية – الدوحة 2008م- ص38.
  4. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني – المستعمرات الإسرائيلية في فلسطين – التقرير الإحصائي السنوي 2012م.
  5. ويكيبيديا تعريف بالسلطة الفلسطينية على الرابط التالي: http://cutt.us/HkRUC.
  6. كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مؤتمر نابوليس في 26/11/2007م المصدر الرابط التالي: .http://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/BooksZ/Index_Documents_2007.pdf

[1]د.مشعل بن سليمان العنزي – محاضرة بعنوان السلطة مفهومها وأهميتها …-جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –ص2- من عام 2013م- المصدر على الرابط التالي:http://cutt.us/IkDJ.

[2]– ويكيبيديا تعريف بالسلطة الفلسطينية على الرابط التالي :http://cutt.us/HkRUC.

[3]أ.حياة محمد الددا- دراسة بعنوان :مواجهة السلطة الفلسطينية للاستيطان. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات –بيروت –عام 2015م –ص14.

[4]نواف الزورو- دراسة بعنوان: جدليات الاستيطان وآفاق التسوية –مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية – الدوحة 2008م- ص38.

[5]الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني – المستعمرات الإسرائيلية في فلسطين – التقرير الإحصائي السنوي 2012م.

[6]الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني – التقرير الإحصائي السنوي 2012م مرجع سبق ذكره .

[7]أ.حياة محمد الددا– مرجع سبق ذكره.

[8]كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مؤتمر نابوليس في 26/11/2007م المصدر الرابط التالي:http://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/BooksZ/Index_Documents_2007.pdf


احرص على أن يصلك جديد عن طريق الاشتراك في قناتنا

على التلغرام

أحدث المقالات

  • تاريخ العلوم السياسية

    تاريخ العلوم السياسية

  • وهم الثراء 

    وهم الثراء 

  • لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

    لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

  • إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

    إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

  • ملخص كتاب رأس المال (2)

    ملخص كتاب رأس المال (2)