معنى الديمقراطية:
الديمقراطية: كلمة يونانية الأصل، مركبة من شقين (ديموس Demos ) ومعناها الشعب، (و كراتيس Kratos) ومعناها السيادة، ويكون معنى اللفظين سيادة الشعب أو حكم الشعب.
وعرفها كونفوشيوس: أنها نظام الحكم الذي يقوم على أساس رضا الشعب من رضا الله ومن يفقد الرضا تصيبه لعنة السماء ويحل دمه.
وكما يقول مونتسكيو : حكم الشعب أو من يمثلونه وفق قواعد نيابية خاصة.
لقد ارتبط هذا المفهوم بالعديد من القيم التي ناضلت من أجلها الشعوب وكان لتطورات التاريخ دور مهم في تبلور المفهوم والقيم، وساهم التطور الاقتصادي أيضا، ومع تشابك التيارات الفكرية تبلورت ديمقراطية كان من أهم مبادئها وقيمها ومنها ( الحرية – المساواة – السعادة – سيادة الشعب )[1].
النشأة والظهور:
لقد أنشأت الديمقراطية في اليونان وروما في العصور الكلاسيكية في حوالي 500 ق.م نظام الحكومة الذي يتيح المشاركة الشعبية من جانب عدد كبير من المواطنين على أسس ثابتة، واستمرت لعدة قرون مع بعض التغيرات العارضة.
و بدأت الديمقراطية تاريخيا في أثينا كنموذج أولي عن طريق ممارسة الذكور البالغين، وقد كانت ضيقة استثني منها العبيد والنساء والأجانب، وفي اليونان لم تكن دولة واحدة، بل عدة مئات من الدول المستقلة، وكانت الدول ذات السيادة في اليونان هي دولة المدينة ( أثينا ) City – states، وكانت أثنيا من أشهر المدن اليونانية، ففي 507ق.م أخذ الأثينيون بنظام الحكومة الشعبية، وقد نضجت واتسعت أثينا بعد الحروب الفارسية اتساعا سياسيا، وازدهرت اقتصاديا، فقد كانت الصراعات تدور حول موضوع المساواة (isonamy)، أي الحق للجميع ثم زادت مطالب الفئات المعدومة لتصبح حق حرية الكلمة(isegary)، لتصبح أمرًا مشروعًا للجميع [2].
وفي الوقت الذي ظهرت فيه حكومات شعبية في اليونان، ظهرت في شبه الجزيرة الإيطالية في مدينة روما أيضًا، ولكن الرومان اختاروا أن يطلقوا على نظامهم الجمهورية (ريببلك – من ريسres أي شيء أو شأن باللاتينية، وببليكوس publicus أي الجمهور)، أو بعبارة أخرى مبسطة أن الديمقراطية هي الشيء الذي ينتمي إلى الشعب، وقد استمرت الجمهورية الرومانية فترة أطول من الديمقراطية الأثينية .
كان الإغريقيون يتنافسون فيما بينهم للحصول على أعلى القيم الإنسانية والحضارية، وهكذا كان الأمر بين سكان أثينا وسكان سبارتا؛ فأول من أسّسَ النظم الديمقراطية وعمل على تدوينها وتشريعها في أثينا هو الإصلاحي سولون في عام 593 ق.م، وبعده كلايسثينيس في عام 507 ق.م. اتخذت الديمقراطية طريقها الأول في النضوج بعد الحروب ضد الفرس والانتصار عليهم في سلاميس عام 480 ق.م.
بالرغم مما حققته الديمقراطية من إنجازات على صعيد الممارسة، إلا أنه ظلت قاصرة وناقصة وتمثلت أوجه النقص فيها في أربع نقاط :
- حالات عدم المساوة الكبيرة والتي مثلت عقبة كبيرة في طريق الديمقراطية، فالاختلاف في الحقوق والواجبات والنفوذ والسلطة بين العبيد والرجال الأحرار والأغنياء والفقراء وملاك الأراضي والفلاحين والرجال والنساء والسادة والإقطاعين والنبلاء وعامة الشعب وحتى الرجال الأحرار، كانوا غير متساويين في ثروتهم وعملهم والتزاماتهم، وفي أماكن كثيرة كانت زوجة الرجل الحر تعتبر في حكم القانون والعرف والممارسة ملكًا له، لذلك ارتطم منطق المساواة بالحقائق المؤلمة لعدم المساواة.
- في الأماكن التي وجدت بها جمعيات وبرلمانات، كانت بعيدة جدًا عن استيفاء المستويات الدنيا من الديمقراطية، فلم تكن البرلمانات في أغلب الأحوال ندًا للملك وتحتاج لقرون إلى أن تنتقل السيطرة على الوزراء من الملك إلى البرلمان، أو يحل رئيس جمهورية مكان الملك فكان النواب الذين انتخبهم الشعب لا يملكون في أحسن الأحوال إلا سلطة جزئية في إصدار القوانين.
- لم يكن ممثلو الشعب يمثلون كل الشعب فعلًا، فكان نصف المجتمع البالغ مستبعد من الحياة السياسية، ففي بريطانيا العظماء كان حق الانتخاب يشمل 5% من السكان فوق سن العشرين حتى تاريخ 1832م .
- لم تكن الأفكار الديمقراطية منتشرة على نطاق واسع، وحتى لم تكن مفهومة تمامًا، ففي جميع الدول كان منطق المساواة فعلًا بين فئة قليلة فقط، وحتى فئة مميزة، ففي الخطابة والصحافة كانت حرية التعبير مقيدة بشكل كبير خاصة إذا كانت تمارس لنقد الملك، وكانت المعارضة السياسية تفتقد الشرعية والصبغة القانونية وكانت الأحزاب السياسية تدان على نطاق واسع بأنها خطيرة وغير مرغوبة وكانت الانتخابات تعاني من التزوير سيء السمعة من جانب عملاء التاج الملكي[3].
مبادى الديمقراطية:
لقد ارتبط هذا المفهوم بالعديد من القيم التي ناضلت من أجلها الشعوب، وكان للتطورات التاريخية دور مهم في تبلور المفهوم والقيم، وساهم التطور الاقتصادي أيضًا في ذلك، ومع تشابك التيارات الفكرية تبلورت ديمقراطية كان من أهم مبادئها وقيمها ومنها ( الحرية – المساواة – السعادة – سيادة الشعب ).
وقد تمثلت الحرية كأحد القيم الأساسية الديمقراطية، إلا أنها كانت مقتصرة على العبيد والنساء والأجانب، أما في الديمقراطية الحديثة اتسع مفهومها نوعًا ما، جون ستيورت يشرح مفهومها فيقول : (وجوهر الحرية يقوم أساسا على الانطلاق الذي يحمل الأفراد على السعي وراء مصالحهم أيان يريدون وكيف ما يبتغون ما داموا لا يتعرضون بالإيذاء للغير فالفرد سيد نفسه وبدنه وعقله، ولا تعاني الإنسانية من حرية ينطلق فيها الناس كما يحبون، كما تعاني من تكبيلهم بقيود يفرضها الغير)، بينما مونتسكيو يقول إنه “لكي تثبت الحرية لابد من الاستعانة بالقوانين المدنية والجنائية التي تبين لكل فرد ماله وما عليه، وكما يستعان بالدين والروح الدينية في تهذيب الأخلاق وتمسك الأفراد بالفضيلة التي هي في طاعة القوانين”، إلا أن هذه الحرية لم تكن في نظر مونتسكيو تصلح لكل الشعوب، فهي تقتصر على قوم دون قوم. إن الحرية لتبدو في بعض الأحيان غير متفقة مع حالة بعض الشعوب التي لا تستطيع تحملها ولم تتعود على التمتع بها، فالهواء النقي إذ يضر أحيانا من كانوا يعيشون في أماكن تكسوها المستنقعات، بل إنه يقر نظام العبودية؛ حيث يرى (استرقاق ) العبيد السود من أفريقيا ضرورة لابد منها لإنجاز المشروعات الكبرى التي يتطلبها الاقتصاد الأوروبي، ويتحامل على الرق في أوروبا ولا يقره، والمساواة كقيمة ثانية، والمساواة في معناها الحقيقي تعني عدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل واللغة والعقيدة، لكن في الديمقراطية القديمة قامت الأنظمة على الاسترقاق والتفاوت الطبقي بين أفراد الشعب، فمثلًا، كان وضع النساء بعيدًا عن المساواة حتى القانونية؛ فقد استثنت المرأة من المواطنة وحقها في الاقتراع، فقد أعلن نابليون بقوله في عام 1804م: ( يجب تذكير النساء بصراحة تامة بواجب الخضوع للرجل الذي يصبح الحاكم في مصائرهن ) فعليها طاعة الزوج، وألغي الطلاق نهائيا عام 1816م، وكان يجب انتظار عام 1944م حتى يتم الاعتراف وللمرة الأولى للمرأة الفرنسية بحق التصويت والترشيح على قدم المساواة مع الرجل.
أما عن السعادة، وهي خلاف التعاسة، يقول كانط بصددها إن للوجود هدف آخر أهم بكثير، خلق العقل من أجلها وليس من أجل السعادة، السيادة للشعب تعني فيما تعنيه لغة تقدم على غيره، نشأت نظرية السيادة عل يد جان بودان سنة 1576م، الذي عرف السيادة على أنها سلطة عليا على المواطنين والرعايا، فهي سلطة دائمة، ولا يمكن تفويضها أو التصرف فيها، ولا تخضع للتقادم وهي سلطة مطلقة لا تخضع للقانون، لأن صاحب هذه السلطة هو الذي يضع القانون، و لا يمكن أن يقيد نفسه كما لا يمكن أن يكون مسؤولًا مسؤولية قانونية أمام أحد، وقد مر هذا المبدأ بعدة مراحل حسب مصدر سلطتها إلى نظرية الحق الإلهي، نظرية الحق الإلهي غير المباشر، ثم انتقلت السيادة إلى مفهوم الأمة مع الثورة الفرنسية، فهي كما قال روسو (الأمة ليست مجموعة الأفراد الذين يرتبطون بإقليم معين والذين يجمعهم مثل أعلى مشترك، ولكن بالإضافة إلى كل ذلك هي شخص معنوي كبير له ضمير وإرادة متميزة عن ضمائر وإرادات الأفراد[4].
[1] شيراز حرز الله، موقع موضوع، http://mawdoo3.com/تعريف_الديمقراطية.
[2] منتديات ستار تيمز، http://vb.elmstba.com/t208157.html
[3] روبرت أ.دال، ترجمة الدكتور أحمد أمين الجمل، عن الديمقراطية، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، الطبعة الأولى 2000، ص26-27.
[4] مركز الدراسات والأبحاث، الديمقراطية كقيمة إنسانية، http://alqiam.ma/App_Themes/Theme1/Imgs/Titre-Logo-Centre.png