مقدمة:
إن الصين المعروفة رسمياً بجمهورية الصين الشعبية, وهي الدولة الأكثر سكاناً في العالم بإجمالي مليار وثلاثمائة واثنين وثمانين مليون نسمة, ويشكلون 18.5% من إجمالي سكان العالم حسب تقرير لهيئة الإحصاء الصينية[1] للعام 2016, وتعتبر من أكبر الدول في العالم, حيث تحتل مساحتها البرية 9.6 مليون كم2, أي حوالي 1/15 من يابسة العالم, وبذلك تأتي الصين في المرتبة الثالثة أو الرابعة كأكبر مساحة على سطح الأرض بعد روسيا الاتحادية وكندا والولايات المتحدة الأميركية[2],فتحتل مساحتها ربع مساحة قارة آسيا, ونفس المساحة الكلية للدول الأوروبية الثلاثين[3], كما أنها تتمتع بسواحل يبلغ طولها تسعة آلاف ميل, مع العديد من الموانئ الطبيعية الجيدة, والتي هي في معظمها خالية من الجليد[4].
يحكم الصين الحزب الشيوعي الصيني, في ظل نظام الحزب الواحد تحت حكم الرئيس شي جين بينغ, وتتألف من 23 مقاطعة وخمس مناطق ذاتية الحكم, وأربع بلديات تدار مباشرة, وعاصمة البلاد هي بكين[5].
تقع الصين في الجزء الشمالي من نصف الكرة الشرقي, وتحتل القسم الشرقي من قارة آسيا, وتطل على الساحل الغربي للمحيط الهادي[6].
يبلغ طول الصين حوالي 5500كم من الشمال إلى الجنوب, وتمتد من الخط الأوسط للقناة الملاحية الرئيسية لنهر هيلونغ إلى حيد تستنغمو البحري لجزر ناشا في بحر الصين الجنوبي (قرب خط العرض 4 درجات شمالاً). وعرضها حوالي5200كم من الغرب إلى الشرق, وتمتد من هضبة البامير غرب محافظة ووتشيا بمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية الويغور إلى ملتقى قنوات الملاحة الرئيسية لنهري هيلونغووسولي في محافظة فويوان[7].
يزيد طول الحدود البرية العامة للصين عن عشرون ألف كم, وتجاور خمس عشرة دولة, وهناك ستة آلاف جزيرة على طول السواحل الصينية, وإجمالي مساحة هذه الجزر آلاف الكيلومترات وتحوي في داخلها ثروات وموارد طبيعية, وتعتبر هذه الجزر جزء هام من أرض الصين المقدسة منذ القدم, كما أنها تلعب دوراً أكبر في النمو الاقتصادي للصين[8].
يتكون سكان الصين من 91.6% من قومية الهان, ويليها شعب تشوانغ بنسبة 1.3% من إجمالي السكان, وتضم النسبة المتبقية من السكان 701% قوميات أخرى, وقد اعترفت الصين في عام 2010 بـ56 مجموعة عرقية في الدولة[9], وتزيد كثافة السكان في المناطق الشرقية والوسطى ويقلون كلما انتقلنا نحو الغرب.
تتميز الصين بأن لها الكثير من الأنهار والمتباينة في أطوالها ويأتي في مقدمتها النهر الأصفر, اليانغتسي, الوي, والهان والتي تتدفق من الغرب متغذية من ذوبان الثلوج في هضبة التبت وانحداراً نحو الشرق, ولقد مثلت هذه الأنهار قنوات اتصالية تربط الصين ببعضها ما مكنها لتصبح حضارة متماسكة في معظم فترات التاريخ.
بالنسبة للتضاريس, تعتبر الصين دولة متنوعة تضاريسياً, حيث تحتل الجبال والهضاب والأحواض والسهول والتلال مساحات شاسعة, وتبدو مناظرها الطبيعية مختلفة, وتكثر الجبال فيها حيث تحتل الجبال والتلال والهضاب 65% من إجمالي مساحة الصين, وتنحدر أراضي الصين من الغرب نحو الشرق بشكل درجات[10].
تحوي الصين الكثير من الموارد الطبيعية وتتميز بأشكال متنوعة منها, وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية 951ألف كم2 وتشكل 10% من مساحة الصين, وتصل موارد الطاقة المائية إلى 676 مليون كيلووات وبذلك تحتل المركز الأول في العالم, كما أنه يوجد فيها كافة المعادن التي اكتشفت في العالم حتى الآن, ومنها 135 معدناً قد تم التأكيد من احتياطياتها بما فيها أكثر من 20 معدناً يحتل المراكز المتقدمة[11].
اتسم الوضع في دولة الصين قبل ثورة 1949 بالاضطرابات الاجتماعية والتوغل الاجنبي فيها .
نشا صراع بين الصين وانجلترا في السنوات 1832-1842 سمي بحرب الافيون وذلك لمنع الصين دخول الافيون القادم من المستعمرات البريطانية الى اراضيها بسبب استعماله من قبل الصينيين كمخدر ,وكان هناك اسباب اخرى لنشوب التوتر اهمها رفض الصين الانفتاح على العالم , انتهت الحرب بهزيمة الصين مما ادى الى توقيعالصين على سلسلة من المعاهدات غير المتكافئة وتعيين قناصل عليها ,امتيازات أجنبية في المدن الكبرى, وتنازلت الصينلانجلترا عن هونج كونج عام 1841 ,وعن قسم من منشوريا لروسيا عام 1860 , وعن تايوان لليابان عام 1895.أدى الوجود الاجنبي الى ولادة رأسمالية عصرية في المدن الساحلية , مما ادى الى الفوضى والتمرد ضد الحكم القائم الضعيف حتى انتهى الأمر بثورة عام 1911 التي وضعت النهاية للحكم الملكي الديكتاتوري وقيام الجمهورية عام 1912.
وبعد قيام الثورة لم يستقر الوضع وبدلاِ من توحيد الصين تفككت الى عدد من الإمبراطوريات مما ادى الى حروب اهلية ومما زاد تدهور الاستقرار الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 ثم اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية كجزاء من معارك الحرب العالمية الثانية في الفترة 1937-1945وانتهت الحرب باستسلام القوات اليابانية , ومن ثم نشب صراع بين الحكومة الصينية المتمثلة بالكوميتانج المدعومة من المعسكر الغربي ومليشيات الحزب الشيوعي انتهت بسيطرة الجيش الاحمر وهو تنظيم الحزب الشيوعي على السلطة عام 1949 وفرار الكوميتانج الى مدينة تايوان مكونين دولة الصين الوطنية ودولتها تايبيه, واعلن ماو تسي تونج قيام جمهورية الصين الشعبية على اراضي الصين واعلن نفسه رئيساِ للبلاد [12]
بعد تولي الحزب الشيوعي ورئيسه ماو تسي تونج وظهرت الحاجة الماسة للنهوض بالدولة الصينية بعد الدمار الذي ألحقت بها الحروب الداخلية والخارجية واتخذ الحزب وقيادته عدة سياسات وإجراءات وانتهجت الدولة في هذه الفترة المبادئ الاشتراكية المطبقة لدى الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت وبادرت بعدة سياسات وإجراءات انية وسريعة لإنقاذ الاقتصاد الداخلي المتردي والقضاء على التضخم مثل:
- تأميم التجارة الخارجية واغلق المصاريف الخاصة وتغيير العملة المحلية وإلغاء الامتيازات الأجنبية.
- ربط الحد الأدنى للأجور بالسلع الغذائية الأولى الأرز والبطاقات التموينية للسلع الأساسية.[13]
كل هذا مهد لسياسيات الصين الاقتصادية اللاحقة المتمثلة في الخطط المتوسطة الأجل التي يطلق عليها الخطط الخمسية واستمرت على انتهاجها منذ 1953 حتى يومن هذا وتمثلت في الأتي :
اولاً: الخطة الخمسية الاولى(1953-1957):
اعتمد ماو تسي تونج على التنمية الصناعية والزراعية بشكل متوازن واعتمد فيها على دعم الصناعات الثقيلة مثل:الحديد والصلب والصناعات التعدينية والتعاونيات الزراعية مما ادى الى ارتفاع في معدلات نمو الصناعة والزراعة والتراكم في الدخل القومي الان انها ظهرت العديد من الاختلالات الهيكلية بين القطاعين الزراعي والصناعي وعدم القدرة على مؤامة التجربة السوفييتية ومحاكاتها في الداخل الصيني بسبب التخلف التكنلوجي.
ثانياً: الخطة الخمسية الثانية(1958-1962):
اعتدت الخطة الثانية التي سميت القفزة الكبرى إلى الأمام على اتجاهين الأول حملة الصلب الشامل وكان المقصود بها الإسراع في وتيرة تصنيع الصلب والتفوق على بريطانيا في هذا المجال، والاتجاه الثاني تمثل في بلديات الشعب بمعنى تجنيد الشعب لتحقيق الأهدف الأول وأدى ذلك إلى إهمال القطاع الزراعي مما أدى إلى مجاعة بسبب عدم وفرة عمالة لجني المحاصيل الزراعية التي راح ضحيتها ملايين الصينيين بسبب المجاعة وفيضان النهر الأصفر، لتكون هذه الخطة الخمسية الأفشل بين جميع خطط الصين، مما أدى بالحزب الشيوعي للاجتماع لبحث تدارك الحالة السيئة في الداخل الصيني، وترتب على ذلك:
ـ-تحميل “ماو تسي تونج” نتيجة هذه الخطة المتهور.
– إرجاء الخطة الخمسية الثانية وتفعيل عدة إجراءات سريعة لإحياء الاقتصاد الصيني.
ـ- انزواء “ماو تسي تونج” عن الحكم نسبيًا ومكوثه في مدينة “شنغهاي” كي لا ينقسم الشعب، وترك تسيير الأمور لثلاثة من كبار قادة الحزب هم: “دنغ شياو بينج، تشو ان لاي، ليو تشاو تشي”.
ثالثاً: الخطة الخمسية الثالثة(1966-1970):
اتخذت القيادة الشيوعية في المرحلة الثالثة عدة إصلاحات كان أهمها العودة إلى الملكيات الخاصة الزراعية وغيرها والتخلي عن المركزية المفرطة والاهتمام بجودة الإنتاج.
واعتمدت على أولويات ومتطلبات الشعب الصيني المتمثلة في الأتي :
-السعي الفوري لتوفير الغذا والكسا للشعب الصيني.
-إعادة بناء الجيش الصيني لحماية الحدود الصينية.
رابعاً: الخطة الخمسية الرابعة(1971-1975):
وضع الحزب الشيوعي الخطوط الرئيسية لهذه الخطة والتي حدد أهدافها الاقتصادية والاجتماعية بدقة فريدة، وكانت أهمها:
-تستثمر الدولة في بنيتها التحتية ما لا يقل عن 130 مليار يوان خلال فترة الخطة الخمسية.
– تحقيق معدلات نمو في القطاع الزراعي والصناعي تصل إلى 12%.
– الوصول بإنتاج السلع الاستراتيجية لنسب محددة بدقة مثل (الحبوب الغذائية، القطن، الصلب، والفحم.
وبالفعل استطاعت قطاعات الاقتصاد الصيني تحقيق معدلات النمو المرجوة بفضل التخطيط المركزي الدقيق وتحديد الأهداف بواقعي.
خامساً: الخطة الخمسية الخامسة(1975-1980):
وضعت ملامح هذه الخطة بدقة متناهية لدرجة يمكن اعتبارها خطة عشرية ممتدة لعشر سنوات وتضمنت كسابقتها أهدافًا محددة يجب أن تطبق من قبل الدولة مثل:
– استثمار70 مليار يوان في البنية التحتية لتهيئة البيئة الملائمة للتطور والنمو الصناعي والزراعي.
الوصول بإنتاج الصلب إلى 60 مليون طن، والبترول إلى 250 مليون طن.-
– إنشاء 10 قواعد مركزية لتصنيع الحديد والصلب، و9 قواعد للمعادن غير الحديدية و8 للفحم.
وبالفعل استطاعت هذه الخطة تحقيق أهدافها بعد إدخال العديد من التعديلات عليها أثناء تنفيذها بالرغم من وفاة الزعيم “ماو تسي تونج”، فوصلت معدلات النمو الصناعي والزراعي إلى 10,1%، وبلغ إجمالي الناتج القومي 301 مليار يوان، وانتهى العجز المالي بالموازنة العامة للدولة.
إلا أن مكاسب هذه الخطط الخمسية المتعاقبة لم ينجِ أكثر من 40 مليون صيني من سوء التغذية ولم يحقق معدلات عادلة في توزيع الدخل، الأمر الذي تطلب إعادة النظر في المبادئ الاشتراكية للدولة والبدء في التعامل المختلف مع مصطلحات جديدة ظهرت في هذه الفترة كالانفتاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية لاسيما مع محاولات الدول المجاورة في النهوض وبزوغ نجم تايوان وسنغافورة التي سميت فيما بعد بالنمور الآسيوية، لتبدأ النهضة الحقيقية للشعب الصيني بالانفتاح الاقتصادي على العالم.
سادساً: الخطة الخمسية السادسة(1988-1985):
-قبل الحديث عن الخطة السادسة يجب التطرق إلى ما قام به مهندس الإصلاح الاقتصادي الصيني دينج شيا وبنج من خطط وأهداف تخص الانفتاح الاقتصادي والإصلاح الاقتصادي تمثلت في الأتي:
– الحد من التخطيط المركزي، وتوسيع نطاق الحكم الذاتي خاصة في المناطق الريفية والزراعية.
– إجراء إصلاحات جذرية في قوانين تملك الأراضي الزراعية والمجمعات الصناعية.
– فتح الأسواق تدريجيًا واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد ساعدها على هذه الإجراءات وجود قاعدة صناعية وبنية تحتية تستوعب هذا التغير في النمط الاقتصادي وارتفاع معدلات التعليم نسبيًا بين أفراد الشعب الصيني.
وبالنسبة للخطة الخمسية السادسة تمثلت هي وسابقتها مجموعة الأهداف العامة للخطة العشرية للإصلاح الكلي، والتي بدأها دينج شياو بنج أولاً من الريف ثم المدن، وتبلورت هذه الإصلاحات في عدة أهداف، كان أهمها:
توظيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بفاعلية لخدمة الاقتصاد القومي.-
الحد من الزيادة السكانية المطردة بتطبيق سياسات الطفل الواحد.-
– تعزيز التطور العلمي والتكنولوجي في مجالي التعليم والتصنيع.
سابعاً: الخطة الخمسية السابعة(1986-1990:
نتيجة للانفتاح الاقتصادي رصدت القيادة الشيوعية العديد من الأخطاء والاختلالات الاقتصادية الناجمة عن دخول الاستثمار الأجنبي في قطاعات غير فعالة مما أدى إلى اتخاذ عدة إجراءات تمثلت في الأتي :
– تنظيم الاستثمارات الأجنبية في الممتلكات الثابتة والاهتمام بالاستثمارات التي تستقدم التكنولوجية الحديثة من الخارج.
– التمسك بمزيد من الانفتاح والاندماج العالمي وزيادة التجارة الخارجية.
إلا أن هذه الخطة واجهت الكثير من الآثار السلبية الناجمة عن زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي أدى لإرجاء الخطة لمدة عام وفرضت الدولة الرقابة مجددًا على الأسعار للقضاء على الغلاء، وحدثت الكثير من الاضطرابات المجتمعية خاصة مع بداية انهيار الاتحاد السوفيتي ليجد الحزب الشيوعي نفسه في أزمة بين مواصلة الإصلاح الاقتصادي أو الرجوع إلى الوراء، إلا أن حسم هذا الخلاف كان لصالح الحزب الذي استطاع النهوض بالاقتصاد الصيني ووضعه في قائمة الدول الكبرى، مما أعطاه المزيد من التأييد من الشعب الصيني بعد ذلك لمواصلة برامجه الإصلاحية.
ثامناً: الخطة الخمسية الثامنة (1991_1995):
تمثل هذه الخطة امتداد للخطط السابقة وتميزت بالنجاح تحت قيادة الرئيس جيانج زيمين ودخلت الصين لأول مرة عالم الصناعات التقنية بتصنيع الأجهزة الكهربائية وإنجاز 374 مشروع ابتكار تقنيًا ساعدها في تحقيق ذلك التطورات الهائلة في موارد الدولة معتمدة على تحديث وزيادة الأوعية الضريبية معتمدة في قوامها الأساسي على ضريبة القيمة المضافة، وتحديث النظام المصرفي ومنظومة إدارة سعر الصرف من قبل البنك المركزي والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ولا شك أن الصين استفادت سياسيًا واقتصاديًا من تفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن العشرين.
تاسعاً: الصين في القرن الواحد والعشرين:
دخلت الصين القرن الواحد والعشرين وهيا محققة إنجاز اقتصادي تاريخي حيث نجحت بفضل إدارتها المنظمة وتخطيطها المركزي في تحقيق قاعدة صناعية قوية وتحقيق بنية تحتية ويعود الفضل لمهندس الإصلاح الاقتصادي الصيني دينج شيا وبنج بإجراءات الانفتاح والإصلاح الاقتصادي مما خلق انسجاماِ في بيئة الاقتصاد الصيني في قطاعية العام والخاص وخلق مفاهيم خاصة بها النابعة من واقع تجربتها الذاتية مثل الاشتراكية الصينية والسوق الاشتراكي.
وصل التنين الصيني بعد اتباع 12 خطة خمسيه لأوال المراكز الاقتصادية العالمية وقوتها الاقتصادية تدعم قوتها الشاملة ويتنبآ الكثيرين بقيادتها للعالم اقتصادياَ وربما سياسياَ بحلول عام 2050[14]
مداخل عملية التنمية في الصين ومؤشراتها:
استحوذت تجربة الصين التنموية على اهتمام عالمي ملحوظ نتيجة ما حققته من معدلات للنمو منذ بدايات التسعينيات من القرن العشرين ، الأمر الذي جعلها تصعد إلى المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، رغم أنها بدأت نهضتها من نقطة الصفر : هياكل إنتاجية قديمة، وزراعة بدائية، ونسب مرتفعة من الأمية لأكبر تعداد سكاني في العالم، وكدولة عاشت في عزلة عن العالم استمرت طويلاً. استمرت الصين في تنفيذ هذه الخطط باستقلاليه، تنتهج نظام “السوق الاشتراكي”. وتحاول أن تستكمل بناء نفسها من الناحية التكنولوجية وتحقيق التحديث الاشتراكي، أو ما تطلق عليه العصرنات الأربع “Four Modernization” والتي تشتمل على إحراز التقدم في الصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والدفاع [15].
قدمت الصين للعالم نموذجا فريدا في التحول الداخلي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي والذي رسم صورة جديدة لسلوك الدولة الصاعدة على سلم القوة العالمية.وفيما يلي ابرز الجوانب أو المجالات التي توضح مؤشرات التنمية الصينية.
اولاً: التعليم
إن نظام التعليم الرسمي منوط بالقيام بدور هام، خاصة في الدول التي تخوض غمار عملية التنمية، فنظام التعليم عامل هام من عوامل نقل تصورات التنمية إلى الأفراد، وكذلك ربطها بالأهداف العامة للتنمية، هذا فضلا عن توجيه الأفراد بالمهارات الفنية، بالإضافة إلى إعداد قادة التحول في نختلف مستويات الوضع الاجتماعي العام بأبعاده السياسية والاقتصادية.[16] فالعلاقة بين التعليم والتنمية وثيقة الصلة فالعديد من المجتمعات السائرة في طريق التنمية تعاني من سيادة التفكير التقليدي، وتحكمها قيم جامدة، تقف في سبيل التغير، وتعترض مجراه، ومن ثم فإنه عن طريق التعليم يمكن العمل على إزالة المعوقات الثقافية، وخلق اتجاهات علمية جديدة تساعد على تلافي جوانب القصور الناتجة عن بعض القيم الموروثة. إن كل الوظائف التي يقوم بها التعليم تؤثر في إنتاجية العمل، وبالتالي تؤثر في عملية التنمية، حتى مالا يبدو منها ذات صلة مباشرة بالإنتاج الاقتصادي. فمستوى تعليم الإنسان، ونظرته للعلم، واتباعه للأسلوب العلمي في حياته، وآراؤه نحو الأسرة والحياة العائلية… الخ، كل هذا يؤثر في إنتاجية عمله، وبالتالي في عملية الإنتاج الاجتماعي ككل.[17]
ومنذ عام 1949م مارست جمهورية الصين الشعبية تخطيط القوى البشرية بمعناها الدقيقي، وكانت التنمية الوطنية هي الهدف الوحيد للتعليم، وقد عملت القطاعات الاقتصادية بنظام الخطط الخمسية، ونقلت الخطط إلى وحدات العمل مثل المصانع والمناجم وكانت القوى البشرية عنصراً أساسياً في هذه الخطط، كما كانت خطط تفصيلية لكل قطاع ولكل وحدة، وبالتالي تم تخطيط التعليم طبقاً لذلك كخطط للقوى البشرية.[18]
وقد تم إنشاء الأكاديمية الصينية للعلوم وأنشئ بنك الصين والعديد من المشروعات التنموية الأخرى، ولم يعكر من صفو الاستقرار الأوضاع الداخلية للبلاد سوى الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 ثم اندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية كجزء من معارك الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين عامي 1937 و 1945.
وقد تضمنت الخطة الخمسية الأولى بعد ذلك فيما يتعلق بالتعليم هدف يتمحور حول وتوسيع نظام التعليم والقضاء على الأمية وفي الخطة الخمسية الثانية: وتوسيع فرص التعليم، وتحسين المستوى الصحي والمعاشي للمواطنين .وكذلك ركزت ايضا الخطة الخمسية الثالثة على تعزيز البنية التحتية وتطوير قطاعات المواصلات والنقل والتجارة والثقافة والتعليم والبحوث العلمية. وتزامنت الخطة الخمسية الثالثة مع بداية الثورة الثقافية 1966-1976، والتي دبرت من قبل ماو تسي تونغ لاقتلاع “النزعات الرأسمالية” وتطهير ما كان ينظر إليه من البرجوازية، معتمداً بذلك إثارة قوى الشبيبة والحركة الجماهيرية، بما في ذلك النخب المتعلمة ورجال الدين والثقافة. وفي اعتقادي فان الثورة الثقافية كانت نابعة من إدراك النخب الثورية بقيادية ماو لضرورة تغير البنية الثقافية لتتلاءم مع الفكر التنموي الاشتراكي الجديد. وفي الخطة الخمسية الرابعة استمرت الجهود الاجتماعية للقضاء على الأمية، وتوسيع فرص التعليم.
وفيما بين 1952-1978 وبالرغم من أن الاستهلاك الفردي قليل إلا أن الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم، غيرت الأوضاع المعيشية للصينيين .ففي نهاية سبعينيات القرن العشرين أصبحت الصين تركز الجهد في مستوى التربية على تعميم التعليم الابتدائي .تراجعت الأمية، لكنها لا تزال منتشرة بين ثلث البالغين بموجب إحصاء 1982 لكن النتائج كانت أقل أهمية في مستوى التعليم الثانوي والعالي اللذين كانا هدف الثورة الثقافية .فقد عانى جيل كامل 160 مليون إنسان، أو ما سمي “الجيل الضائع” من نتائج تعليم يرى أنه من الأفضل أن تكون أحمر )شيوعياً( من أن تكون خبيراً. ومع ذلك ففد عاد النظام التعليمي مجراه الطبيعي من جديد في أواخر سبعينيات القرن العشرين .
يعتبر دنغ شياو بينغ مهندس هذه الفلسفة التي حُققت في ظلها معجزة الصين من خلال استراتيجية مجردة لبناء الاقتصاد الصيني والتي طرحت في عام 1987هي مضاعفة مجمل الناتج الوطني أربع مرات عن عام 1980، في نهاية القرن العشرين، وذلك من خلال الاستمرار في التعليم والتثقيف لجميع أفراد فريق الإدارة والإنتاج والتسويق، ولا يتوقف عند مؤهل جامعي، مهما علا طالما أن العلوم تتقدم، والمعارف تتطور، وذلك من خلال مدرسة الحزب وكوادر وفلسفته التي تدرس السياسة والاقتصاد والفلسفة والممارسات المتجددة ، وقد تحقق هذا الهدف أيضاً عام 1995 قبل موعده المقرر.
وضل التطور في التعليم والبحث العلمي في تطور وتزايد مستمر بزيادة حصة الإنفاق على البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي من1.3% في عام 2005 إلى 2% في عام 2010. وفي فترة الخطة الخمسية الحادية عشرة، دفعت سرعة نمو الاقتصاد نحو زيادة مستقرة في الإيرادات المالية الوطنية، وقدمت زيادة الإيرادات المالية الوطنية ضمان تدفق الأموال في مجالات التعليم والطب والضمان الاجتماعي، وتعزيز قوة الحكومة لتنسيق توزيع الدخل .
قطعت الصين شوطاً كبيراً في بناء رأس المال البشري، حيث أصبح معدل معرفة القراءة والكتابة الآن 95 % تقريبا، وبلغت معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية 80% وحصل مؤخراً طلاب شنغهاي)سن خمسة عشر عاماً( على الترتيب الأول عالمياً في الرياضيات والقراءة وفقاً لمقياس البرنامج الدولي لتقييم الطلاب المعياري، والآن تُخَرج الجامعات الصينية أكثر من 1.5 مليون مهندس وعالم سنويا، مما جعلها تخطو نحو اقتصاد المعرفة.
في عام 2009، بلغ مجموع طلبات الحصول على براءات الاختراع المحلية في الصين نحو 280 ألف طلب، فاحتلت بذلك المرتبة الثالثة على مستوى العالم، بعد اليابان والولايات المتحدة. كما تحتل الصين المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث طلبات الحصول على براءات الاختراع الدولية. وفي الوقت نفسه تستهدف الصين تخصيص حصة تبلغ 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي لمشاريع البحث والتطوير بحلول عام 2015 أي ضعف النسبة في عام 2002 وهذا يتناسب مع التركيز الجديد الذي أولته الخطة الخمسية الثانية [19].
ثانياً: الصحة
في الخطة الخمسية الأولى ارتفعت مستويات الصحة بشكل واضح.[20] وقبل الخطة الخمسية الخامسة فيما بين 1952-1978 تجاوز النمو الاقتصادي الصيني نمو عدد من البلدان النامية وخاصة بلدان آسيا الجنوبية الشرقية مثل الهند أو باكستان. وبالرغم من أن الاستهلاك الفردي قليل إلا أن الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم غيرت الأوضاع المعيشية للصينيين. ففي نهاية سبعينيات القرن العشرين أصبحت الصين تتمتع بمستوى من التجهيزات الصحية، يتجاوز بكثير مستوى البلدان الأخرى منخفضة الدخل. وأصبح مجمل سكان الصين تقريباً يحظى بتغطية نظام التكافل الاجتماعي الدنيا. وفي الأرياف وفر نظام التعاونيات الطبي لمعظم الفلاحين تغطية لنفقاتهم الطبية. ويقوم بالرعاية الصحية الأساسية مليون من الأطباء الحفاة رقيقي التأهيل. وفي المدن يتكفل القطاع العام الذي يستخدم أربعة أخماس العمال بالنفقات الطبية. ويعتبر ما حققته الصين في 1980، حيث ارتفع – مستوى الصحة خلال ثلاثين عاماً من إنجازات أمراً مذهلا : ما بين 1950 متوسط العمر من40 عاماً حتى66 عاماً، وانخفض معدل نسبة وفيات الأطفال من 170 بالألف حتى 40 بالألف [21].الترابط بين اتجاهات الصحة واتجاهات الدخل القومي.[22] وأظهرت الصين تاريخيا مؤشرات صحية أفضل كثيرا مما يمكن توقعه على أساس الدخل. وعلى الرغم من أن معظم هذا الإنجاز يُعزى عادة إلى “المعاونين الطبيين” في البلاد وهم طائفة من الأفراد ذوي التدريب الطبي المحدود الذين قاموا بمهامّ تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية إلا أن معظم التحسينات في وفيات الرضع والأطفال حدثت قبل بداية عمل الأطباء الحفاء في عام1965؛ ولم يتراجع الوضع الصحي في الصين بعد التخلي عن نظام المعاونين الطبيين. ويمكن إرجاع الفضل في التحسينات الصحية المبكرة إلى عدة أشياء من بينها حملة “المؤذيات الخمس” التي أطلقها الزعيم ماو تسي تونغ، ودعوته إلى شرب الشاي بدلا من الماء )غير المغلي(، وتوافر المراحيض الجيدة عموما في الصين.[23]
في الصين، يرتبط معدل النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي سلبيا بالمعدل السنوي لانخفاض معدل وفيات الرضع) بمعامل ارتباط قدره0.45 -، اختبارات “المقارنة بين متوسطين” (فإن المكاسب الأكبر (أي في الجوانب الصحية) في الصين سبقت انطلاقة النمو الاقتصادي. [24]
(حول مؤشرات الصحة ومعدلات المواليد والوفيات راجع الملاحق)
ثالثاً: الزراعة
الزراعة في السياسة الاقتصادية للصين هي القطاع الأول والأكثر أهمية، وذلك بسبب التزايد السكاني الكبير ومن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، لذلك عرفت الصين بعد عام 1949م إصلاحات زراعية ومجهودات مختلفة لتحقيق الأهداف المرجوة في هذا القطاع الحساس، حيث استوعب قطاع الزراعة القدر الأكبر من العمالة، [25] وبدأت عملية اقتصادية بعيدة المدى تهدف إلى اشتراكية الزراعة، فقد تم تصفية أملاك كبار الملاك الزراعيين وحلت الدولة محلهم بشكل تدريجي مع إعطاء هؤلاء الملاك فائدة صغيرة على ممتلكاتهم المؤممة. إلا أن الدولة لم تكتف بذلك وإنما اتجهت قدما نحو إنشاء جمعيات المزارع التعاونية المشتركة فيما بين الدولة والأفراد، تطورت إلى جمعيات الإنتاج التعاونية وفيها تمتلك الدولة كل الأراضي، وهي الجمعيات التي أنشئت عام 1957م، ومن ثم طورت الحكومة الصينية نظام الإنتاج الزراعي من إنتاج في ظل الجمعيات التعاونية إلى إنتاج في ظل الكوميونات* والذي بدأ عام 1958م،[26] وفي نهاية السبعينات ألغيت التعاونيات الزراعية، وتم تحرير القطاع الزراعي إلى حد كبير، وفي سياق التخفيف من سياسات ماو تسي تونغ نحو الزراعة، بدأ تخفيف قيود التخطيط المركزي للزراعة، أوصبحت التعاونيات الباقية مسؤولة عن إدارة نفسها على أساس الربح والخسارة، وخلال الثمانينيات بلغت نسبة الصناعات الزراعة من إنتاج القطاع الزراعي 23%، وسأهم ذلك في استيعاب البطالة في الريف التي ازدادت مقارنة مع الحضر الذي امتص قدر أكبر من البطالة في تطور القطاع التجاري والخدمي. ونتيجة إصلاح قطاع الزراعة، استطاع دنغ شياو بينغ أن يخرج حوالي 890 مليونا من المزارعين الصينيين من حالة الفقر المدقع بحلول أواسط الثمانينيات، الأمر الذي اعتبر إنجازاً كبيراً له وقد لعب الفائض المحول من القطاع الزراعي دوراً كبيراً في تمويل المراحل الأولى من الصعود الصيني[27] . وفي عام 1992 وصل إجمالي قيمة إنتاج المؤسسات الريفية في الصين إلى 1650 مليار يوان، وبلغت قيمة صادراتها 110 مليارات يوان. أما عدد المشتغلين في هذه المؤسسات الريفية فقد تجاوز 100 مليون فرد، وهذا العدد يفوق عدد العمال والموظفين الذين يشتغلون في المؤسسات والمصانع الحكومية.[28]
(حول مؤشرات المحلي والصادرات راجع الملاحق)
رابعاً: الصناعة
كانت الصناعة في الصين قبل ثورة 1949 فقيرة ومحطمة بسبب سنوات الحروب الطويلة التي خاضتها الصين، وخلال الفترة من عام 1949م-1966م تغير الموقف بدرجة كبيرة،29] فاهتمت الدولة ببناء صناعة حديثة خلال مشروع السنوات الخمس الأولى من تأسيسها، وبفضل مساعدة الاتحاد السوفياتي، وبعد فترة قصيرة استطاعت الصين أن تدفع بعجلة التصنيع إلى الأمام بفضل الاعتماد على النفس والانفتاح نحو العالم الخارجي لاسترداد التكنولوجيا الحديثة، وتمثل صادرات مصانع الصين جزءاً كبيراً من الدخل القومي للبلاد فقد شهد الاقتصاد الصيني في حقبة السبعينات مرحلة تتسم بالاستقرار النسبي لسيطرة الإنتاج الصناعي، إذ تضاعف إنتاج الصلب ثلاث مرات مما ساعد على إيجاد أساس متين لصناعة النفط وإقامة منشآت صناعة الآلات الثقيلة، وإيجاد قاعدة صناعية قوية وبواسطة شركات أجنبية متعددة الجنسيات وعابرة القارات وما يرتبط بها من موردين ومقاولين وخبرات مال واستثمار من مختلف دول العالم، أصبحت الصين مصنعاً للعالم، حيث يتم تنفيذ عمليات التجهيز والتجميع الكثيفة العمالة بواسطة مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، تتمتع بالقدرة على الوصول المباشر إلى الأسواق العالمية من خلال شبكة معقدة من العقود، والواقع أن سلسلة المدن والمناطق الصناعية والتي شكلت بمجموعها “مصنع العالم”، التي كانت بدايتها متواضعة في المناطق الساحلية والمناطق الاقتصادية الخاصة، انتشرت في مختلف أنحاء الصين، وأصبحت قادرة على إنتاج كل شيء.[30]
(حول مؤشرات الناتج المحلي راجع الملاحق)
خامساً: التجارة الخارجية
جاء التطور التجاري متأخراً في الصين بسبب احتقار المجتمع الكونفوشي للتجارة، وبسبب العلاقات التي تطورت مع القوى الأجنبية أثناء السنوات التي تبعت حرب الأفيون، ومعظم الاستثمارات حدثت في السكك الحديدية، والمناجم، وأعمال النسيج.[31] وقد اصبح تعتبر التجارة الخارجية للصين من أهم الأنشطة الضرورية والاقتصادية، خاصة وأنها بلد بوزن ديمغرافي كبير ولكونها الوسيلة الوحيدة التي تحصل من خلالها الصين على المنتوجات الضرورية .وتقوم الدولة بالتحكم بهذا القطاع، حيث تقوم بضبط قوائم البضائع تصديراً واستيراداً بقصد تحقيق التوازن بين الصادرات والواردات، وتغير الوضع بعد الإصلاح والانفتاح الذي نهجته الصين حيث أصبحت لاعباً أساسياً في تجارة معظم دول العالم. ارتفعت نسبة صادرات السلع والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي من 23% عام 2001 وقت دخول الصين في منظمة التجارة العالمية إلى 31% عام 2011 هذا ما يؤكد اعتماد الصين بشكل كبير على الصادرات كواحدة من المقومات الأساسية لقوة الاقتصاد الصيني . فقد قامت الصين ببناء استراتيجية التنمية من خلال “التوجه التصديري” Export Promotion بدلاً من “سياسة إحلال الواردات” Import Substitutions واعتمدت سياسات تنمية الصادرات على مجموعة من الأهداف الرئيسة : معدل النمو المستمر، تنوع الهيكل السلعي، التوزيع الجغرافي، تكامل في السوق العالمي، النمو المستقبلي للتجارة الخارجية، وبذلك لعبت التجارة الخارجية دوراً أساسياً في تحقيق معدلات نمو عالية، منذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم.[32]
ومع التقارب الصيني الياباني الأمريكي في أواخر السبعينات، وتوقيع معاهدة سلام بين الصين واليابان في عام 1985م زاد حجم التجارة الخارجية في الصين من 12% من مجموع الناتج القومي سنة 1980م إلى 26% من المجموع في عام 1985م. وفي عام 2004م بلغت قيمة الميزان التجاري بين الصين واليابان نحو 214 مليار دولار، واحتلت الصين مركز أكبر شريك تجاري لليابان، بينما جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني. وتستثمر اليابان نحو 32 مليار دولار في أكثر من 20 ألف مشروع بالصين حالياً.[33]
إن من أهم عوامل نجاح تجربة التنمية في الصين ارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي إضافة إلى ارتفاع معدل الاستثمار المحلي الصيني الذي بلغ 39% من الناتج المحلي الصيني الإجمالي عام 1998، فالاستثمارات الأجنبية تأتيها من كل حدب وصوب مما جعلها تستحوذ على نصيب الأسد من بين الدول النامية، وفي الوقت نفسه تمتلك الصين قاعدة إنتاجية قوية مكنتها من الاستفادة من هذه الاستثمارات، التي توفر القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات الحديثة والأنظمة الإدارية المتطورة، وهو ما يشكل محفزاً للتنمية الاقتصادية. فالمنتجات الصينية تصل إلى كل بقاع الأرض، وعملت الصين على استخدام الاستثمار الأجنبي كمبدأ استراتيجي، حيث وصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أكثر من ألف مليار دولار، وكذلك تستخدم الصين القروض الأجنبية في مشروعات بناء كبيرة ومتوسطة، وبذلك أصبحت الصين ثاني أكبر مستقبل للاستثمارات في العالم بعد أمريكا.[34]
(حول مؤشرات الصادرات والاستثمار راجع الملاحق)
سادساً: الدفاع
كان الاهتمام الصيني في بداية الإصلاح منصباً على الوضعين السياسي والاقتصادي. وبعد بلوغ الاقتصاد الصيني مكانة بارزة بين الدول الكبرى من حيث التقدم والنمو الاقتصادي، كان من الضروري أن تقوم الصين بتنمية قوتها العسكرية للتناسب مع مكانتها العالمية ولتحمي مصالحها الاقتصادية الممتدة عبر العالم،[35] فقفزت مسألة الدفاع القومي الى سلم الأولويات في خطط التنمية الصينية خلال الخطة الخمسية الثالثة والتي هدفت –فيما هدفت- إلى تعزيز بناء الدفاع الوطني بصورة مناسبة وتحقيق اختراق في التكنولوجيا العسكرية البسيطة. فتعزيز الدفاع الوطني، نمثل أولوية في تحقيق المكانة الصينية على المستوى العالمي. أما المهام الأساسية للمشروع الثاني والتي حددتها بوضوح الخطة الخمسية الثالثة هي: الاستعداد الإيجابي للحرب ، وبناء الدفاع الوطني الذي وضع في المقام الأول. الإسراع ببناء الخط الثالث )يقصد به مناطق الجنوب الغربي والشمال الغربي بالصين التي أصبحت المؤخرة الاستراتيجية للصين في ذلك الوقت. وجاءت أولوية تعزيز الدفاع الوطني بسبب قلق الصين الزائد من الحروب المحتملة مع الاتحاد السوفياتي وفيتنام حليفتها. وتزامنت الخطة الخمسية الثالثة مع بداية الثورة الثقافية، وتطهير ما كان ينظر إليه من البرجوازية [36].وفي الخطة الخمسية السادسة هدفت إلى تعزيز بناء الدفاع الوطني وبناء صناعة الدفاع الوطني، وتعزيز القوة الدفاعية [37].
وبما أن الصين تعتبر أكبر مستهلك للطاقة وخاصة النفط، يتوجب عليها حماية الممرات المائية والإمدادات النفطية والتي تأتيها من دول ما وراء البحار من قارات ومناطق )الشرق الأوسط، أفريقيا، أمريكا اللاتينية، وسط آسيا، امريكا الشمالية، الدول العربية( وحماية الاستثمارات الصينية المرتبطة بهذه الظاهرة عالمياً، هذا ما جعل البحرية الصينية أول بحرية تنافس البحرية الأمريكية للسيطرة على البحار بعد انتهاء الحرب الباردة لضمان تدفق النفط وحماية خطوط الإنتاج والتوزيع من هذه الدول إليها والصين لديها مجموعة متواضعة من الصواريخ دونج فانج )رياح الشرق ( تضم صواريخ عابرة للقارات، فضلاً عن مقذوفات متوسطة المدى، كما يوجد في الصين خمسة وأربعون منجما لليورانيوم، وخمسة مصانع لمعالجة اليورانيوم والبلوتونيوم، وتمتلك الصين قدرة عالية على صناعة المنتجات الإشعاعية، والتي تقدر ب 8.2 طن سنويا وهو ما يكفى لتموين قرابة خمسة وسبعين رأساً نووية سنوياً ويبين تقرير صدر عن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في عام 2009 قلق الولايات المتحدة من القوة العسكرية المتنامية للصين ولا سيما في مجال الصواريخ البالستية البعيدة المدى، وتطوير قدرتها العسكرية في جميع المجالات البرية والجوية والبحرية وعالم الفضاء، وركز التقرير على القدرات الصينية الحديثة والمتمثلة في الصاروخ الصيني الذي أسقط قمراً صناعياً كان يدور حول الأرض، ومدى ودقة إصابة هذا الصاروخ. هذه القوة العسكرية للصين والتي تعتمد على العلوم الحديثة والتكنولوجيا، لها دورها في النظام السياسي، والاقتصادي للصين ولا تسمح لأحد بعرقلة مسيرتها التنمية من خلال تعطيل مصالحها الاقتصادية الخارجية [38].
أزمات التنمية السياسية في الصين:
اولاً: ازمة الهوية
يبلغ عدد سكان الصين ما يزيد عن 1400مليون نسمة ينتشرون بصورة متفاوتة على مساحه الصين التي تقدر ب9.569.960 كيلو متر مربع، و توجد في الصين ما يقارب 55 قومية مختلفة تشكل قومية الهان الاغلبية المطلقة فيها بنسبة 92% و تشكل القوميات الأخرى ما نسبته 8% وبالرغم من أن الصين دولة ملحدة إلا أن هناك تعدد في الأديان الموجودة في ظل هذا العدد السكاني الهائل وتتمثل الأديان الرئيسية في البوذية و الطاوية والاسلام والمسيحية بقسميها، هذا التنوع الكبير في القوميات والأديان جعل الصين تعاني من أزمة هوية تمثلت في التالي:
- احتجاجات اقليم التبت:
ظلت منطقة التبت منطقة مستقلة عن الصين حتى عام 1950، وبعد سيطرة الشيوعيون على السلطة عام 1949 قاموا بغزو منطقة التبت و إلحاقها بالأراضي الصينية بالرغم من المقاومة العنيفة التي استمرت عامين وفي عام 1959 قامت انتفاضة قومية في التبت -بالرغم من تمتعها بالحكم الذاتي- تطالب بانفصال إقليم التبت عن الصين التي تم اعتبارها دولة محتلة حيث عملت على طمس الهوية التبتية والعادات والتقاليد الدينية للمنطقة وقد أدت قمع القوات الصينية لهذه الانتفاضة الى مقتل عشرات الآلاف من التبتيين وهروب الآلاف إلى الهند كان ضمنهم الدالاي لاما الزعيم الروحي للتبتيين.[39]
تكررت هذه الاحتجاجات عام 2008 مع انطلاقة دورة الالعاب الاوليمبية في بكين حيث اتسمت المطالب بنوع من التنازل رفع مطالب تحقيق حكم ذاتي اكبر وحقيقي في اقليم التبت وقد راح ضحية هذه الاحتجاجات ما يقارب 150 قتيل نتيجة تصدي القوات الصينية لهذه الاحتجاجات، وهو الامر الذي اعتبرته الصين دعوة جديدة للانفصال[40]
- ازمة اقليم تشينجيانج:
تعتبر منطقة إقليم تشينجيانج من الأقاليم الخمسة التي تخضع للحكم الذاتي في الصين وتسكن هذا الإقليم احد الأقليات المسلمة في الصين والتي تعاني من اضطرابات مستمرة تزايدت حدتها مع بداية الألفية الجديدة.
منذ عام 1949 ارتفعت نسبة الصينيين الهان في إقليم شينجيانغ من خمسة إلى نحو أربعين في المائة. وهم الآن أكبر مجموعة عرقية بعد الأويغوريين ويمثِّلون الأغلبية منذ فترة طويلة في مدن كثير في الإقليم ويعاني سكان الإقليم من المسلمين من اضطهاد وتضييق في الحريات والممارسات الدينية وذلك بعد أحداث سبتمبر 2001 وتم الربط ما بين التطرف الديني في إقليم تشنجيانج والحرب على الإرهاب، عمدت الحكومة الصينية إلى استهداف الثقافة الايغورية والعقيدة الدينية من خلال فرض عدد كبير من الإجراءات التي تمثل تعديا على مكون الهوية الدينية لمسلمي الايغور وقد تمثلت بعض تلك الإجراءات بمنع الصوم في شهر رمضان و منع ارتداء الحجاب والتشديد على الممارسات الدينية في المساجد، كما عمدت السلطات المركزية في الصين إلى تهميش أبناء الأقلية المسلمة في إقليم تشنيجانج من خلال الإقصاء الوظيفي والسياسي وتمكين أبناء قومية الهان من تولي المناصب الإدارية والحكومية في الإقليم والعمل على طمس الوجود للأقلية الايغورية في الإقليم، كل هذه الإجراءات أدت إلى بروز الدعوات الانفصالية لإقليم تشنيانج وتكوين ما يسمى دولة تركستان الشرقية وقد حدثت أعمال عنف شهدها الإقليم منذ عام 2009 أدت إلى مقتل المئات من أبناء القومية الايغورية وقومية الهان، فيما نسبت الحكومة المركزية في الصين أعمال العنف إلى جماعات إرهابية متطرفة[41]
ثانياً: ازمة الشرعية
خضعت الصين منذ عام 1949 لأيديولوجية شيوعية سيطرت على الحكم ومقاليد السلطة في الصين وتم فرضها بصورة شاملة على الشعب الصيني من اجل حماية الثورة ضد القوى الاستعمارية والتوسعية وقد شهد النظام الشيوعي بروز أزمات تجاه شرعية النظام القائم من خلال التالي:
- احتجاجات ميدان تيانانمين عام 1989:
تعرض النظام الشيوعي خلال هذه الاحتجاجات إلى أولى أزمات الشرعية المتعلقة بصورة مباشره وذلك منذ عام 1949 بعد سيطرته على السلطة في الصين وإعلانه قيام جمهورية الصين الشعبية، كانت بداية هذه الاحتجاجات مع تزامن إقالة و وفاة السكرتير العام للحزب الشيوعي هو ياو بانغ الذي كان يمثل التيار المعتدل في الحزب الشيوعي والذي عقدت علية الجماهير الصينية الأمل في تحيقي نوع من التعددية السياسية والحرية والديمقراطية، وكان هو ياو بانغ ينتقد بصورة كبيرة فساد النخب الحزبية، وارتفاع معدلات التضخم وقلة الفرص الوظيفية، ودعا بصورة رسيمة إلى مسائلة الحكومة المركزية، مثلت وفاة هو ياو الشرارة الأولى المطالبة بعملية الإصلاح السياسي وبدأت جموع الطلاب والعمال والجامعيين بالتوافد إلى ميدان تيانانمين والاعتصام لفترة ما يقارب 7 أسابيع من اجل العمل على إرغام الحكومة والحزب الشيوعي على تبني المطالب التي تبنوها إلا أن السلطات الصينية اعتبرت هذه الاحتجاجات أعمال شغب مناهضة للثورة بعد أن توسعت إلى ما يقارب 400 مدينة صينية مع وجود تعاطف كبير من سكانها لهذه المطالب، قامت القوات الصينية في الرابع من يونيو 1989 بفض اعتصام ميدان تيانانمين – و المعروف أيضاً بالميدان السماوي- باستخدام القوة المسلحة وشنت حملات اعتقال واسعة في صفوف الأصوات المعارضة في الصين كما منعت أي نقاش لموضوع الإصلاح السياسي وقامت بتجريم أي عمل يؤدي إلى إحياء ذكرى هذه الاحتجاجات التى لإتزاع الأعداد الحقيقية لضحاياها غير معلومة بصورة دقيقة نتيجة التعتيم الإعلامي الصيني ومنع وسائل الإعلام الأجنبي من دخول البلاد خلال تلك الفترة[42]
- احتجاجات هونغ كونغ 2014:
بالرغم من الوضع الخاص الذي تتمتع به هونغ كونغ بعد عودتها إلى الإطار الصيني والاستقلال الذاتي شبه الكامل الذي تحظى به إلا أن احتجاجات 2014 والذي عرف بثورة المطلات في هونغ كونغ مثلا تهديدا حقيقيا تجاه النظام الشيوعي الحاكم في الصين وذلك من خلال المطالبة بأجراء انتخابات حقيقية من اجل اختيار الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ الذي سيجري في عام 2017 والخوف الصيني من انتشار العدوى الديمقراطية إلى الأقاليم الأخرى وهو ما قد يشكل تهديد وجودي للحزب الشيوعي في الصين، وتضع الصين عدد من الشروط من اجل اختيار الرئيس التنفيذي لهونج كونج حيث لابد لمرشحين أن ينالوا موافقة نصف أعضاء لجنة الترشيح التي تتكون من 1200 عضو الغالبية العظمي مؤيدة للنظام الشيوعي الصيني بصورة مطلقة وهو ما تعتبره هونغ كونغ بداية لمحاولة دمج هونغ كونغ بالنظام الشيوعي الصيني والإخلال بالاتفاقية الموقعة ما بين الصين وبريطانيا والتي تضمن الحرية والاستقلالية لهونغ كونغ لمدة 50 عاما منذ توقيع تلك المعاهدة عام 1997[43]
ثالثاً: ازمة المشاركة
تعاني الصين منذ تأسيسها من أزمة في المشاركة السياسية وذلك مع تبني الحزب الشيوعي الصيني للأيديولوجية الماركسية اللينينة التي تقوم على سيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد الحكم بصورة شبه كاملة، وبالرغم من اعتراف الصين بوجود ثمانية أحزاب من خارج الإطار الشيوعي من اجل إيجاد صورة محسنة للنظام الصيني الذي لا يحكم من قبل حزب واحد وإنما بوجود تعددية حزبية في إطار الحياة السياسية، إلا أن دور هذه الأحزاب التي تشكل في الدول الديمقراطية أساس المشاركة السياسية يقتصر دورها على تقديم النصح و المشورة دون المنافسة على الحكم كما أن الحكومة الصينية تحدد دور هذه الأحزاب وأنها تتساوي جميعا أمام القانون والدستور إلا أن هذه الأحزاب تأتمر وتخضع للحزب الشيوعي الصيني، يتضح أن الحياة السياسية الصينية تخضع لحكم الحزب الواحد مع وجود صوري للأحزاب الأخرى[44]، و توضح تقارير متعدد للمنظمات الدولية الحقوقية أبرزها منظمة هيومن رايتس ووتش حيث توضح أن الصين لا زالت تخضع لحكم قمعي من قبل الحزب الشيوعي كما تتهم النظام الصيني بالعمل على تقييد الحريات والتضييق على الحقوق و العمل على الإخفاء القسري للناشطين السياسيين ومحاكمتهم[45] ، كما أن الحكومة المركزية الصينية قد حاولت إيجاد نوع من المشاركة السياسية من خلال القنوات الحزبية إلا أنها تندرج في الإطار الأيديولوجي للحزب الشيوعي دون غيره، وتتعامل الحكومة الصينية بصورة قمعية مع أشكال الممارسة السياسية التي تندرج في إطار الاعتصامات والمظاهرات السلمية وذلك ما حدث خلال عام1989 في الميدان السماوي وما حدث في هونغ كونغ عام 2014 بعد المطالبة بإيجاد الإصلاحات التي تضمن المشاركة السياسية الفاعلة وقد أدى تعامل الحكومة مع هذه المظاهر باستخدام العنف إلى تعقد مستقبل إيجاد إصلاحات سياسية جذرية تضمن الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية في الصين.
بالرغم من التقييد وانعدام المشاركة السياسية في الصين إلا أن الصين من خلال قانون الحكم الذاتي الذي تم تطبيقه في خمس مناطق قد عملت على إيجاد قنوات للمشاركة الاقتصادية الجماهيرية من خلال إدارة عملية الإنتاج على صعيد كافة الوحدات الحضرية والكيمونات الريفية[46]
رابعاً: ازمة التوزيع
تعاني جمهورية الصين الشعبية من أزمة توزيع حادة منذ بداية عمليات التنمية والتحول من الاقتصاد الزراعي إلى اقتصاد الصناعات الثقيلة وذلك نتيجة للتفاوت في عمليات التنمية وتوسع التباين التنموي ما بين المناطق الصينية المختلفة، حيث قد تبدو الصين صاحبة احد اسرع الاقتصادات في العالم نموا إلا أنها في نفس الوقت تعد من اكثر المجتمعات تفاوت في العالم ويشير ديفيد هارفي في كتابة الليبرالية الجديدة إلى كون التصدع الاجتماعي في الصين يفوق مثيلة في افقر الأمم الإفريقية، ويعود ذلك إلى كون فوائد التنمية الاقتصادية في الصين قد عادت بصورة رئيسية على سكان المدن الصناعية وعلى الموظفين و المسئولين في الحزب وأدى ذلك إلى وجود كبير في الفارق في الدخل بين سكان المدن وسكان الريف الفقير، ويشير الكاتب إلى أن المرحلة الثورية في الصين لم تستطيع العمل على محو التفاوت الاجتماعي وصار هذا التفاوت يأخذ شكل القانون المتعارف عليه سواء من الناحية البنيوية او من ناحية الدخل وهو ما أوجد حالة كبيرة من الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن وعمل على توسيع الفجوة البنيوية والسكانية ما بين الريف و الحضر وأدى إلى اندفاع بعض المناطق الساحلية إلى الأمام والتطور و بقاء المدن الداخلية في صورة من بطء النمو والتخلف[47]
ويشير مؤشر (جيني)* لقياس التفاوت في توزيع الدخول والثروة إلى أن التفاوت في توزيع الدخول والثروة في الصين قد وصل عام 2014 ما بين (0.50،0.47) وهو ما يعتبر وصول الصين إلى مرحلة خطرة متقدمة قد تؤدي إلى وجود مشاكل سياسية واقتصادية فيها ويشير تقرير صحيفة الحياه نفسة استنادا إلى تقرير مؤسسة أسيوية تشير إلى ارتفاع عدد الأثرياء في الصين إلى ما يقارب 643 ألف ثري، ويقول التقرير أن ثلث ثروة الصين تعود لنسبة 1% من سكان الصين، كما أن الفساد الحكومي الإجراءات الغير مشروعة في أروقة الحزب الشيوعي أدت إلى سيطرة الأقلية على ثروة الأكثرية في الصين[48]
خامساً: ازمة التدخل (التغلغل)
لم يعاني النظام الصيني من أزمة تدخل فقد استطاع الحزب الشيوعي الصيني أن يتجذر داخل الابنية الإدارية والاجتماعية للمجتمع الصيني. وبالرغم من تمتع بعض الأقاليم بنوع من الحكم الذاتي إلا أن الحزب الشيوعي يضل مسيطراً فيها من خلال تبعية الأجهزة الإدارية والحكومات المحلية والإقليمية لنفوذ الحزب الشيوعي وسيطرته. وقد استطاع النظام الصيني إحباط كل المحاولات التي وصفها بكونها مثيرة للشغب ومضادة للثورة. مثل: أحداث ميدان السماء 1989م. وكذلك أحداث إقليم التبت 1959م. وعملت السلطة الحاكمة في السين على تجميد أي نقاشات حول الإصلاحات السياسية واستمرت في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق الخطط المرسومة. [49]
سادساً: ازمة الكفاءة الادارية
في بداية عملية التنمية في الصين 1949م، عانت الصين من أزمة كفاءة إدارية، وكانت الأولوية تقتضي أن تكون احمرا أولى من أن تكون مخصصاً، فاستعانت الصين بخبراء ومتخصصين سوفييت.[50] ومع حدوث برامج الإصلاح في عهد دينج شياو بينج عمل على تطوير الجهاز الإداري للدولة وتخلص من البيروقراطية ثقيلة اليد. وعمل على إرسال البعثات العلمية في مختلف التخصصات وعلى راسها دراسة أساليب الإدارة. واعتمد في وضع وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي التكنوقراط بشكل كبير.
المراجع:
- روبرت د. كابلان, انتقام الجغرافيا, ترجمة إيهاب عبدالرحيم علي, سلسلة عالم المعرفة, العدد 420 (الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 2015)
- مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني ، الكتاب الأبيض حول التنمية السلمية في الصين ، سبتمبر عام2011
- مصطفى زايد، التنمية الاجتماعية ونظام التعليم الرسمي في الجزائر: مدخل سوسيولوجي جديد لدراسة التعليم والتنمية في المجتمعات السائرة في طريق النمو، (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1986)
- نبيل سعد خليل، التعليم والتنمية: دراسة في النموذج الصيني، (القاهرة: دار مكتبة الإسراء، 2005)،
- محمد نبيل نوفل، التعليم والتنمية الاقتصادية، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1979)
- منصور حسين وكرم حبيب، التعليم وخطة التنمية، (القاهرة: مكتبة الوعي العربي، 1970)
- ديفيد هارفي ، الليبرالية الجديدة: موجز تاريخي، ترجمة: مجاب الامام، الرياض، العبيكان للنشر والتوزيع، 2008
- شيويجوانغ, جغرافيا الصين, ترجمة: محمد أبو جراد (بكين, دار النشر باللغات الأجنبية, 1987)
- محمد عبد الملك المتوكل، التنمية السياسية، بدون دار نشر، صنعاء،2004
- محمد عطية محمد ريحان، التجربة الاقتصادية الصينية وتحدياتها المستقبلية، كلية الاقتصاد والعلوم الادارية، جامعة الازهر، 2012م، رسالة ماجيستير
- هيئة الإحصاء الصينية: وصول عدد سكان الصين لــ”مليار و382 مليون”, اليوم السابع, 21/1/2017, شوهد في 10/2/2017, على الرابط: file:///H:/%C2%A0/%D8%AC%D8%B9.html
- علي الطوارقي, جغرافيا الصين, شوهد في: 10/2/2017,على الرابط: http://steps.justgoo.com/t135-topic
- محمد مروان, عدد سكان الصين, موضوع, 8/1/2017, شوهد في 10/2/2017, على الرابط: file:///H:/%C2%A0/%D8%AC%D8B9.html
- فيروز دولتلي، نحو التنمية الصين الشعبية نموذجاَ مركز البديل للدراسات والخطط الإستراتيجية على الرابط التالي: http://pss.elbadil.com/2016/04/18/%D8%AA%D8A9
- تقرير البنك الدولي بالنيابة عن اللجنة المعنية بالنمو والتنمية، الصحة والنمو، 2009م، ص: 3، على الرابط: http://siteresources.worldbank.org/EXTPREMNET/Resources/489960-1338997241035/Growth_Commission_Vol2_Health_Growth_Arabic.pdf
- بيترز بارز، الاستقلال حلم يراود الانفصاليين في التبت، يورو نيوز، على الرابط التالى: http://arabic.euronews.com/2015/08/31/tibetan-autonomy-reaches-50-wishes-unresolved
- أولريش فون شفيرين، معاناة المسلمين في الصين من التمييز والقمع، ترجمة: رائد الباش، موقع قنطرة، على الرابط التالي: https://ar.qantara.de/content
- اسماء سعد الدين، مظاهرات ساحة تيانانمين، المرسال، على الرابط التالي: http://www.almrsal.com/post/229404
- بيار عقيقي، ثورة المظلات: ما لذي يحدث في هونغ كونغ، العربي الجديد، على الرابط التالي: https://www.alaraby.co.uk/politics/2014/10/1/
- مايكل بريستو، الاحزاب غير الشيوعية في الصين، قناة بي بي سي عربي، على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2010/03/100304_als_china_noncommunist_parties_
- منظمة هيومن رايتس ووتش، التقرير العالمي 2015، الصين ، على الرابط: https://www.hrw.org/ar/world-report/2016/country-chapters/286341
[1]– هيئة الإحصاء الصينية: وصول عدد سكان الصين لــ”مليار و382 مليون”, اليوم السابع, 21/1/2017, شوهد في 10/2/2017, على الرابط: file:///H:/%C2%A0/%D8%AC%D8%B9.html.
[2]– شيويجوانغ, جغرافيا الصين, ترجمة: محمد أبو جراد (بكين, دار النشر باللغات الأجنبية, 1987), ص1.
[3]– علي الطوارقي, جغرافيا الصين, شوهد في: 10/2/2017,على الرابط: http://steps.justgoo.com/t135-topic.
[4]– روبرت د. كابلان, انتقام الجغرافيا, ترجمة إيهاب عبدالرحيم علي, سلسلة عالم المعرفة, العدد 420 (الكويت, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, 2015), ص226.
[5]– محمد مروان, عدد سكان الصين, موضوع, 8/1/2017, شوهد في 10/2/2017, على الرابط: file:///H:/%C2%A0/%D8%AC%D8B9.html.
[6]– شوي جوانغ, مرجع سابق, ص1.
[7]– مرجع سابق, نفس الصفحة.
[8]– علي الطوارقي, مرجع سابق، على الرابط: http://steps.justgoo.com/t135-topic
[9]– محمد مروان, مرجع سابق، على الرابط: file:///H:/%C2%A0/%D8%AC%D8B9.html.
[10]– علي الطوارقي, مرجع سابق، على الرابط: http://steps.justgoo.com/t135-topic
[11]– المرجع السابق.
[12] مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني ، الكتاب الأبيض حول التنمية السلمية في الصين ، سبتمبر عام2011
[13] ـ محمد عطية محمد ريحان، التجربة الاقتصادية الصينية وتحدياتها المستقبلية، كلية الاقتصاد والعلوم الادارية، جامعة الازهر، 2012م، رسالة ماجيستير
[14] فيروز دولتلي نحو التنمية الصين الشعبية نموذجاَ مركز البديل للدراسات والخطط الإستراتيجية على الرابط التالي: http://pss.elbadil.com/2016/04/18/%D8%AA%D8A9/
[15] محمد عطية محمد ريحان، التجربة الاقتصادية الصينية وتحدياتها المستقبلية، كلية الاقتصاد والعلوم الادارية، جامعة الازهر، 2012م، رسالة ماجيستير، غزة، ص: 46
[16] مصطفى زايد، التنمية الاجتماعية ونظام التعليم الرسمي في الجزائر: مدخل سوسيولوجي جديد لدراسة التعليم والتنمية في المجتمعات السائرة في طريق النمو، (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1986)، ص:91
[17] محمد نبيل نوفل، التعليم والتنمية الاقتصادية، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1979)، ص: 83-84
[18] منصور حسين وكرم حبيب، التعليم وخطة التنمية، (القاهرة: مكتبة الوعي العربي، 1970)، ص:146
[19] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص: 47-89
[20] المرجع السابق، ص:51
[21] المرجع السابق، ص:59
[22] تقرير البنك الدولي بالنيابة عن اللجنة المعنية بالنمو والتنمية، الصحة والنمو، 2009م، ص: 3، على الرابط: http://siteresources.worldbank.org/EXTPREMNET/Resources/489960-1338997241035/Growth_Commission_Vol2_Health_Growth_Arabic.pdf
[23] المرجع السابق، ص: 5
[24] المرجع السابق، ص: 10-11
[25] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص: 148
*(نظام الكوميون: هو نظام يخدم أغراضا متعددة فهو أدارة للإنتاج الزراعي والحيواني وفي نفس الوقت إدارة للخدمات الصحية والتعليمية والدفاعية وفي بعض الاحيان يخدم اغراض صناعية والكوميون: عبارة عن قرية كبيرة –أو مجموعة قرى صغيرة- تضم فيما بينها ما يقرب من 24 ألف نسمة تجمعهم وحدة العمل)
[26] نبيل سعد خليل، التعليم والتنمية: دراسة في النموذج الصيني، (القاهرة: دار مكتبة الإسراء، 2005)، ص:173-174
[27] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص: 149
[28] نبيل سعد خليل، مرجع سابق، ص: 174
[29] محمد عطية محمد ريحان المرجع السابق، ص:175
[30] المرجع السابق، ص: 147-148
[31] نبيل سعد خليل، مرجع سابق، ص: 175
[32] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص: 149-150
[33] نبيل سعد خليل، مرجع سابق، ص: 176-177
[34] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص:85
[35] المرجع السابق، ص: 152
[36] المرجع السابق، ص: 55
[37] المرجع السابق، ص: 66
[38] المرجع السابق، ص: 152-153
[39] – جواد سليم الاغا، ازمة التبت، دراسة منشورة على الرابط التي:
[40] – بيترز بارز، الاستقلال حلم يراود الانفصاليين في التبت، يورو نيوز، على الرابط التالى:
http://arabic.euronews.com/2015/08/31/tibetan-autonomy-reaches-50-wishes-unresolved
[41] – أولريش فون شفيرين، معاناة المسلمين في الصين من التمييز والقمع، ترجمة: رائد الباش، موقع قنطرة، على الرابط التالي:
[42] – اسماء سعد الدين، مظاهرات ساحة تيانانمين، المرسال، على الرابط التالي:
http://www.almrsal.com/post/229404
[43] – بيار عقيقي، ثورة المظلات: ما لذي يحدث في هونغ كونغ، العربي الجديد، على الرابط التالي:
[44] – مايكل بريستو، الاحزاب غير الشيوعية في الصين، قناة بي بي سي عربي، على الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2010/03/100304_als_china_noncommunist_parties_
[45] – منظمة هيومن رايتس ووتش، التقرير العالمي 2015، الصين ، على الرابط:
[46] – محمد عبد الملك المتوكل، التنمية السياسية، بدون دار نشر، صنعاء،2004،ص136
[47] – ديفيد هارفي ، الليبرالية الجديدة: موجز تاريخي، ترجمة: مجاب الامام، الرياض، العبيكان للنشر والتوزيع، 2008،ص 235
* مؤشر جيني يستخدم لقياس عدم المساواة في توزيع الدخل ويضع هذا المؤشر الرقم 0 لحالة التوزيع المتساوي للدخل و الرقم 1 لحالة انعدام المساواة في توزيع الدخل.
[48] – تقرير منشور في صحيفة الحياة اللندنية، الصين تسعى الى تفادي التفاوت في توزيع الدخل، النسخة الالكترونية، الخميس، ٢٥ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤، ٠١:٠٠ – بتوقيت غرينتش على الرابط:
http://www.alhayat.com/Articles/4754636
[49] اسماء سعد الدين، مرجع سابق، على الرابط:
http://www.almrsal.com/post/229404
[50] محمد عطية محمد ريحان، مرجع سابق، ص: 59