إعادة تدوير التراث الديني   

         تحدث ضرورات العصر في كل الأزمنة  تغييرا حقيقيا في المنظومات الأخلاقية التي تحكم المجتمعات، و بناء عليها تتشكل الدساتير والأعراف وكل قاعدة تؤطر العلاقات بين الأفراد وبين المجتمع والفرد، فكل الأنظمة الاجتماعية والسياسية التي حكمت البشرية كانت نتاجا حتميا لتلك الضرورات، والأنظمة الإسلامية لم تكن استثناء للقاعدة، غير أن حالة الخوف التي تسيطر على اللاوعي…

صورة كتاب

         تحدث ضرورات العصر في كل الأزمنة  تغييرا حقيقيا في المنظومات الأخلاقية التي تحكم المجتمعات، و بناء عليها تتشكل الدساتير والأعراف وكل قاعدة تؤطر العلاقات بين الأفراد وبين المجتمع والفرد، فكل الأنظمة الاجتماعية والسياسية التي حكمت البشرية كانت نتاجا حتميا لتلك الضرورات، والأنظمة الإسلامية لم تكن استثناء للقاعدة، غير أن حالة الخوف التي تسيطر على اللاوعي الجمعي لدى المجتمعات الإسلامية، من تلك التحولات خلقت نفورا كبيرا من السير وفق هذه القاعدة، ما أحدث صداما حقيقيا مع الواقع. اليوم، تعيش المجتمعات الإسلامية صراعات من هذا القبيل، فالمؤثر الذي طرأ على خط سير  المنظومات الأخلاقية والتشريعات وطريقتها في فرض نفسها آليا هو الخوف من المجهول، من الغضب المرتقب الذي نشأت المجتمعات على انتظاره، لذا فإن من يأخذ على عاتقه مسؤولية  الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية هو الأكثر هيبة وتأثيرا على هذا المجتمع الخائف، وهو من يمتلك الصوت المسموع والأعلى من بين جميع الأصوات، لكنه عمليا يفقد أدواته، فالسيف الذي غزا به العالم قديما لا يصمد اليوم أمام أسلحة عصر التكنولوجيا، والأساطير والخرافات التي كانت أدواته في امتلاك ضمائر البشر يفضحها العلم التجريبي والنزعة العقلانية، أضف إلى ذلك  أن ما باستطاعة المجتمع أن يكون عليه يتصادم عمليا مع ما تريد له الشريعة أن يكون عليه، ومن شأن تلك التصادمات أن تصنع جيلا يدرك تماما عدم فاعلية الأنظمة الدينية القديمة وصلاحها في  تنظيم شؤونه، من هنا جاءت الحاجة إلى قراءة جديدة للنص المقدس، يصفها اللادينيون (بالترقيع) تهكما، ويبذل المتخصصون في هذا المجال ما بوسعهم لعقلنة التراث وجعله أكثر فاعلية.

إنّ الثنائية التي تقدمها الشريعة الإسلامية (الفضيلة/الرذيلة) باتت فكرة غير معقولة بعد أن أتاح العالم الرقمي لجيل الألفية الثالثة الانفتاح على العالم.

ما الجديد؟

الثنائية التي تقدمها الشريعة الإسلامية (الفضيلة/الرذيلة) كقاعدة يستند عليها في التشريع والتقنين باتت فكرة غير معقولة بعد أن أتاح العالم الرقمي لجيل الألفية الثالثة الانفتاح على العالم، وتغيرت زاوية الرؤية، وصار يرى العالم بعين الطائر، إن التصور الثنائي (المعروف/المنكر) للأشياء والأفكار والأخلاق يثير في الوعي واللاوعي تساؤلات تحرج الطرح الديني القديم، فتعدد الأنظمة واللغات والعادات والشرائع لا يمكن أن يوضع في خانة القبيح مقابل الأحادية التي تريدها الشريعة إلا في أذهان مجتمع لا يعرف شيئا خارج عالمه، والاتجاه الكوزموبولوتي الذي فرضه هذا الانفتاح على دراسة الأديان والأخلاق واللغات أصاب  الأحادية والمعيارية في مقتل، كل هذا يلجئ حراس الشريعة إلى اتباع منهج جديد وعصري في قراءة التراث، قراءة أفرزت موقفين، موقفا يستهجنها ويضعها في خانة التآمر على الدين وتشويه جوهره، وموقفا آخر يرفضها باعتبارها تبريرا غير علمي لإفلاس الدين وعجزه، وأنه لا يستند على منهج علمي واحد.

ما الذي يدعو للتفاؤل؟

إن اعتبار مبادئ العصر مرجعا يحتكم إليه في معرفة ما يريده النص المقدس شيء مبشر، ولا ينبغي محاربته، لأنه يسير وفق القاعدة (ضرورات العصر هي العنصر الثابت، قصدية النص المقدس عنصر متغير)، وهذا وحده كافٍ لأن يسحب البساط من تحت القائمين بأعمال الله، فليس مهما في الصراع الذي يدور حول النص المقدس وقصديته تبرئة قائله من التفسيرات التي قدمها المنشغلون بالنص قديما أو إثباتها، إلا بالقدر الذي يخدم حاجات العصر وأبناءه، وفي صراع الهويات وحين العجز عن تحديد الوجهة ينبغي أن يكون الطرح براغماتيا، فإنه ليس من الحكمة التصادم مع تصورات وعقائد مجتمع برمته. خصوصا إذا ما عرفنا بأن قدسية التراث هي النظرية التي تشكل زاوية الأمان لديه في كوكبٍ الظلم فيه هو القاعدة والعدالة ماهي إلا استثناء.


وسوم :

احرص على أن يصلك جديد عن طريق الاشتراك في قناتنا

على التلغرام

أحدث المقالات

  • تاريخ العلوم السياسية

    تاريخ العلوم السياسية

  • وهم الثراء 

    وهم الثراء 

  • لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

    لماذا يجب أن نثقف أنفسنا؟

  • إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

    إدانة العربي في الأدب الصهيوني.. كيف افترى سميلانسكي على العرب؟

  • ملخص كتاب رأس المال (2)

    ملخص كتاب رأس المال (2)