المقدمة:
تعد قضية اللجوء والهجرة أحد أهم اهتمامات الفضاء الدولي حاليًا، في ظل تنامي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وما لها من تداعيات مختلفة على دولهم والمجتمعات المستقبلة لهم، ولقد شهدت سياسات الدول الأوروبية تجاه القادمين إليها، سواء من اللاجئين أو المهاجرين القسريين، تعقيداً في القواعد والسياسات، حيث استقرت على ضبط المجال أمام الوافدين، وتضييق الخناق وفقًا لأطر قانونية ومؤسسية، في ظل الإجراءات المعقدة من أجل الحفاظ على الدولة القومية، ومخاوف الإرهاب؛ الأمر الذي أحدث انقسامًا و مواقف متباينة على مستوى القارة، وأحدث اختبارًا حقيقيًا لثلاثية الأمن، الهوية، وقيمة الإنسان، حيث يتنازعها الانحياز للديمقراطيات الغربية وحقوق الإنسان في ظل مخاوف موازية تدعو للحفاظ على أمن الدول اجتماعيًا واقتصاديًا وسلامة حدودها، والحفاظ على هوية القارة دينيًا وثقافيًا.
وقد بدأت مرحلة جديدة من هذه الأزمة مع اللاجئين السوريين، وخاصة في ظل ارتفاع الأعداد في صيف 2015، حيث عبر الآلاف من السوريين الحدود نحو أوروبا هربًا من الحرب الأهلية السورية، وتم استقبالهم أساسًا في ألمانيا والنمسا، بينما علقوا ومنعوا من حرية التنقل في المجر التي بدأت في بناء حاجز بينها وبين صربيا وذلك يبين تباعد السياسات تجاه هذه الأزمة بين دول الاتحاد الأوروبي.
ولقد مرت القارة الأوروبية بمراحل مختلفة بدأت بفتح أبوابها أمام الهجرة واللجوء، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، والحاجة إلى إعادة إعمار القارة وفتح الباب على مصراعيه، لكن المرحلة الثانية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والسياسات المغلقة المتبعة والأكثر تشددًا تجاه الهجرة غير الشرعية، ووضع ضوابط أكثر حدة أمام الهجرة واللجوء المقنن، خاصة مع وضع بروتوكول الاتحاد الأوروبي الذي يمثل تنظيما جماعيا. إلا أن القارة باتت في اختبار شديد الصعوبة مع انهيار الأوضاع في العراق وأفغانستان، ثم حاليًا في سوريا واليمن، وبدايات تدفق غير مسبوقة من اللاجئين من إريتريا والعراق وسوريا، الأمر الذي جعلها في موقف تبدو فيه الاعتبارات الإنسانية أكثر إلحاحًا، لكنها تصطدم بالاعتبارات السياسية والاقتصادية الخاصة بدول القارة. ولذا، باتت الدول الأوروبية، كدول ديمقراطية حاضنة لحقوق الإنسان، مطالبة بفتح أبوابها أمام تلك الموجات والتدفقات، رغم تباين مواقف العديد من الدول إزاء الاستجابة المختلفة والمتباينة.
المبحث الأول: مفهوما الهجرة واللجوء وموقعهما في القانون الدولي:
قد يتم الخلط بين مفهوم اللجوء الإنساني والهجرة، فبرغم التقارب والارتباط بينهما إلا أن هناك اختلافًا واضحًا في معنى كل من المصطلحين ودلالات مختلفة تمام الاختلاف في هذا المبحث، وسوف نستجلي هذه الاختلافات ونميز كلًا منهما، ثم نتحدث عن اللجوء في منظور القانون الدولي الإنساني.
المطلب الأول: مفهوم الهجرة واللجوء الإنساني والفرق بينهما
أولًا: مفهوم الهجرة
الهجرة هي عملية توطينية تتم من خلال السفارات والقنصليات، وتهدف الدول من خلال الهجرة إلى توفير عمالة ماهرة تشغل وظائف موجودة على أرضها لا يوجد من يشغلها من مواطنيها، أو يوجد من يشغلها، ولكن ليس بالعدد الكافي.
تتم العملية من خلال برامج خاصة بالدول التي ترغب في تشغيل العمالة لديها، وتكون عن طريق ملفات ضمن شروط معينة، مثل إتقان لغة الدولة، ووجود شهادات خبرة في المهنة المطلوبة للهجرة، وإبداء الشخص رغبته في الهجرة للبحث عن حياة ومستقبل أفضل، وأشهر دول التوطين هى كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وأمريكا، ولكل منها برنامج خاص بها.
آلية الهجرة تختلف من دولة لأخرى، فمثلًا آلية الهجرة إلى أوروبا تختلف عن آلية الهجرة في دول التوطين، لأن دول أوروبا لا توجد لها برامج هجرة شاملة مثل دول التوطين، وتعتمد الهجرة لهذه الدول مجملًا على عقود التوظيف التي ترسل للأشخاص من أصحاب العمل في أوروبا، وهذا تم توضيحه سابقًا على بوابات الهجرة الأوروبية.
أشهر برامج التوطين برنامج الهجرة والتوطين في كندا، برنامج الهجرة والتوطين في أستراليا، برنامج الهجرة والتوطين في نيوزيلندا، برنامج الهجرة والتوطين في أمريكا[1].
المهاجر هو شخص ينتقل من مكان إلى آخر من أجل العيش في بلد مختلف لأكثر من سنة. وتعتقد منظمة الهجرة الدولية أن 232 مليون إنسان سنويًا يصبحون مهاجرين دوليين بينما ينتقل 740 مليون شخص داخل دولهم. توجد أسباب كثيرة تجعل الناس يهاجرون، لكن الذين ينتقلون بحثًا عن العمل أو حياة أفضل تطلق عليهم عموما تسمية المهاجر الاقتصادي. هناك أنواع أخرى من المهاجرين مثل الطلبة الدوليين ومهاجرين لأسباب عائلية ومهاجرين هاربين من الحروب والاضطهاد. المهاجرون من خارج الاتحاد الأوروبي معرضون لضوابط الهجرة وربما يحتاجون تأشيرة دخول لأجل الوصول إلى بلدان معينة، مثل بريطانيا، لن يمتلك هؤلاء حق الحصول الفوري على السكن أو المنافع الاجتماعية، لكن قد ينالون طريقًا نهائيًا للتوطين والجنسية. ومن الممكن أيضا احتجازهم أو ترحيلهم إذا فشلوا بتطبيق قوانين الهجرة، ويستخدم مصطلح «السكان المهاجرون» لوصف الأجانب المقيمين في أحد البلدان، والأشخاص الذين ولدوا في بلد آخر حتى إذا نالوا الجنسية[2]. فالمهاجر هو الشخص الذي يتمتع بقدرات ومؤهلات تميزه عن الآخرين (كفاءة) يحتاجها سوق العمل الكندي، الأسترالي.. الأوروبي بصفة عامة ويخطو خطوة جادة من أجل التقديم على تأشيرة من سفارة الدولة المرتقب الهجرة إليها ، ومن ثم الحصول على إذن بالإقامة الدائمة مباشرة (تأشيرة الهجرة) بغية السفر إلى تلك الدولة من أجل البحث عن حياة أفضل ومستوى معيشي كريم أو مستوى علمي أفضل من خلال توظيف هذه المهارات في سوق العمل لتلك الدولة. حيث يكون له من الحقوق المدنية ما يكون لأي مواطن في الدولة كالتعليم والرعاية الصحية وامتلاك أو البدء في عمل خاص[3]. فإن المهاجر هو الشخص الذي يترك مكانا ويذهب لآخر، لكي يعيش فيه أكثر من عام. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد المهاجرين الشرعيين يصل سنويا إلى حوالي 232 مليون شخص، وحوالي 740 مليون مهاجر آخر، ينتقلون داخل بلدانهم.
هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الأشخاص للهجرة، والذين يهاجرون من أجل العمل، أو للبحث عن وظيفة، أو حياة أفضل، يسمون بالمهاجرين الاقتصاديين، ويعد الطلاب الدوليون مهاجرين، بالإضافة إلى اللذين يهاجرون لأسباب عائلية، خاصة الذين يغادرون بسبب الحرب أو الاضطهاد، والحالة الفردية من المهاجرين يمكن أن تكون خليطا من كل هذه الأسباب.
المهاجرون من خارج الاتحاد الأوروبي، عليهم الخضوع لكافة قوانين الهجرة، وعليهم الحصول على تأشيرة لدخول إحدى الدول التابعة للاتحاد، من بينهم بريطانيا، ولا يستطيعون العمل أو الحصول على مسكن فورًا، ومن الممكن أيضًا حبسهم إذا خرقوا أي قانون من قوانين الهجرة، ولكن من المحتمل في النهاية أن يحصلوا على تصريح بالبقاء على أراضي الوطن، والتمتع بمزاياها.
وصل إلى بريطانيا خلال الـ12 شهر الماضية، أكثر من 636 ألف مهاجر، بحسب الإحصائيات النهائية، من بينهم حوالي 25 ألف طالب لجوء. وبمجرد وصول المهاجر لدولة بريطانيا على سبيل المثال، يجب البحث عن الكلمة التي سيلقبون بها، وهل هم مهاجرون دائمون، أم مهاجرون باحثون عن حياة أفضل، مثل الحصول على فرصة عمل، والبقاء في البلد لفترة، ثم تركها والعودة إلى الوطن.[4]
ثانيًا: مفهوم اللجوء
اللجوء هو سفر الشخص إلى دولة بعينها وطلب اللجوء والحماية لديها، وتتعدد أسباب اللجوء، فهناك من يطلب اللجوء خوفًا من القتل، أو خوفًا من التعذيب، أو خوفًا من السجن أو الاضطهاد، وذلك نتيجة الانتماء لجماعة أو حزب معين، أو بسبب النزاعات والحروب الداخلية، أو لأي سبب مشابه. يمكن أيضًا تقديم طلب لجوء عن طريق “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” فلكل دولة حصة سنوية بأعداد معينة من اللاجئين، وبناءً على ذلك تمنح هذه الدول تأشيرات حماية لمن يتقدم بطلب لجوء عن طريق المفوضية للإقامة والعيش على أراضيها.
يحصل اللاجئ على المساعدات المادية والمعنوية، وتوفر له الدولة الحماية وسبل العيش مثل السكن والطعام والشراب وما شابه، عكس المهاجر، فكل شيء يجب أن يدفعه من جيبه الخاص، لكن اللاجئ بعد ذلك يعمل ويندمج في المجتمع ويتخلى عن المساعدات ويصبح مثل المهاجر فيدفع كل تكاليف معيشته من جيبه الخاص. وفي اللجوء أنواع فلا يمكن لأي شخص أن يذهب لأي دولة والحصول على حق اللجوء، ولكن يحصل على اللجوء من تنطبق عليه الأسباب التي تم ذكرها في الأعلى، أو من لديه أسبابه الخاصة، وفي كل الحالات يجب على الشخص أن يثبت صحة ما يقول.
أما من يتقدم بطلب لجوء لهدف اقتصادي أو بيئي يكون عليه إتمام إجراءات أخرى وغالبًا ما يرفض هذا النوع من اللجوء، وللحصول على معلومات أكثر حول الأمر يمكنكم الرجوع لهذا المقال :اللجوء وأنواعه.
تختلف آلية وقوانين اللجوء من دولة لأخرى، فمثلًا أوروبا لديها نظام يعمل على تنظيم حركة اللجوء في أوروبا، وبشكل عام تختلف إجراءات اللجوء من دولة لأخرى، وهذه صفحات خاصة ببرامج وآلية اللجوء في بعض أشهر دولها. أشهر برامج اللجوء، برنامج اللجوء في أستراليا، برنامج اللجوء في السويد، برنامج اللجوء في ألمانيا، برنامج اللجوء في بلجيكا.
اللاجئ هو إنسان هرب من نزاع مسلح أو اضطهاد وهناك اعتراف بحاجته إلى حماية دولية، لأن من الخطير جدا عليه العودة إلى وطنه. يخضع اللاجئون إلى الحماية وفق القانون الدولي بحسب معاهدة اللاجئين لعام 1951، التي تعرّف ماهية اللاجئ وتحدد الحقوق الرئيسة المقدمة له.
المبدأ الرئيس للمعاهدة هو رفض طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع تشكل تهديدًا على حياته وحريته، ويحصل اللاجئ على السكن الاجتماعي وحقوق الرعاية والمساعدة في إيجاد وظيفة والاندماج في المجتمع. تتوقع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجود نحو 60 مليون إنسان مهاجر قسرًا حول العالم، ويشمل هذا العدد المهاجرين داخل دولهم، كما أن الدول ملزمة عالميًا بالنظر في طلبات اللجوء وعدم إعادة طالبي اللجوء فورًا إلى دولهم التي هربوا منها، وتذكر معاهدة اللاجئين أن من حق هؤلاء الحصول على إجراءات لجوء عادلة وفعالة ووسائل تضمن عيشهم بكرامة وأمان أثناء تمشية طلباتهم[5].
ولذا فاللاجئ هو الشخص الذي يشعر بنوع من الاضطهاد القريب مما يشكل خطرًا على حياته و أسرته كأن يكون شخصًا مهددًا بالقتل و التشريد أو السجن والتعذيب كما هو الحال في بعض الدول العربية وغرب آسيا ويطلب الحماية والأمن والاستقرار في أي من الدول الأجنبية، ولكن يشترط أن يكون خارج بلده الأم بحيث يكون غير قادر أو غير راغب في العودة إليها لما ينتظره من واقع مؤلم وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة التي وقعت عليها أغلب دول العالم بشأن استقبالهم ومنحهم كافة متطلبات الحياة من سكن وعلاج وتعليم مجاني ومن الشروط الأساسية لقبول طلب اللجوء أن يكون الشخص المهدد داخل أرض الدولة المرتقب منها منحه اللجوء، فلا يجوز أن يطلب اللجوء في الولايات المتحدة إلا إذا كان داخل أرضها وكذلك في أغلب دول العالم[6].
اللاجئ، هو الشخص الذي يغادر بلده، بعد وقوع صراع أو حرب مسلحة، أو معاناة من اضطهاد سياسي أو عسكري، ويكون محتاجًا للمساعدة أو الدعم الدولي، لأن الوضع سيمثل خطورة عليه إذا عاد إلى وطنه.
ويتم التعامل معهم وفقا لقانون اللاجئين الصادر عام 1951، والذي يحدد حقوقهم الأساسية، وأول مبادئه هي ألا يتم طردهم أو منعهم من الدخول، إذا كانت هناك تهديدات لحياتهم في بلادهم، فعندما يعرف الشخص كلاجئ، يجب منحه كافة الحقوق للسكن، والعمل، والمشاركة في المجتمع، والاندماج داخله. ونقلًا عن الأمم المتحدة، فإن هناك حوالي 60 مليون لاجئ، أجبروا على ترك أراضيهم والانتقال حول العالم، بحثًا عن حياة آمنة. أما طالب اللجوء في البلدان الملتزمة بتقديم طلبات اللجوء، تتعهد بعدم إعادة طالبيه إلى بلادهم، وبحسب اتفاقية اللاجئين، فعلى هذه البلاد ضمان وصول طالبي اللجوء بسلام إلى أراضيها، وعليها اتخاذ التدابير الكافية لحمايتهم، وتوفير حياة كريمة لهم.
ثالثًا: في المقارنة بين المفهومين
تستخدم المصطلحات الثلاثة: اللاجئ، و”المهاجر” و”طالب اللجوء”، غالبا لتعني الشيء نفسه، لكن لكل منها معنى متميزًا يحمل التزامات ونتائج دولية مختلفة، وتشهد أزمة الهجرة الحالية استخدام مصطلحي مهاجر ولاجئ، وبدرجة أقل طالب لجوء، على نحو يومي للمعنى نفسه وكذلك في حالة الدمج بينها يمكن أن تعني الفرق بين الحياة والموت[7]. في النهاية يحصل كلاهما على الجنسية في الدول التي يقيمون فيها سواء اللاجئ أو المهاجر، وبذلك ينتهي الفرق بين اللجوء والهجرة ويصبح الاثنان رسميًا مواطنين ضمن مواطني هذه الدول، ولا يتم الحديث عن الفرق بين الهجرة واللجوء إلا بالعرف بين الناس[8].
ومن هنا تظهر الفروق الجوهرية بين الهجرة واللجوء في المزايا التي يحصلون عليها، وأكبر المزايا التي يتحصل عليها المهاجر هو منحه إذن الإقامة الدائمة مباشرة ويكون له الحق في:
- السكن والعمل والحياة بالإضافة إلى أنه يحق له السفر خارج البلاد لمدة لا تزيد عن (3) أشهر من كل سنة لاستكمال المدة المطلوبة للحصول على الجنسية.
- يمنح الحق بلم الشمل (وهو كفالة أفراد الأسرة من والدين أو إخوة لفيزا لنفس البلد).
- أن تصريح الإقامة الدائمة يخوله للتقدم لطلب وثيقة السفر للاجئين وهو جواز سفر صالح لمدة أقصاها خمس سنوات غير قابل للتجديد يخوله للتنقل به في أي دولة في العالم باستثناء دولته.
- بعض الدول تمنحه الكثير من المزايا في حال حصوله على الإقامة الدائمة مثل إعانة مالية جيدة لحين الحصول على عمل في حال داوم على تقديم رسائل إيميل تبين للحكومات أنه مستمر في مراسلة العديد من الشركات بغرض الحصول على وظيفة.
بينما تمنح مصلحة الهجرة للاجئ تصريح إقامة مؤقتة عوضا عن الدائمة وغالبا ما تكون لمدة ثلاث سنوات أو أقل. يرجع ذلك إلى نظرة مصلحة الهجرة للقضية على أنها لا تسترعي الإقامة الدائمة وعليه يعطى الإقامة المؤقتة بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في بلادهم بعد انتهاء فترة الإقامة المؤقتة.
هذه نبذة مختصرة عن الفرق بين طالب الهجرة، ومن هنا يمكنكم الاستنتاج أن طلبات اللجوء لا يمكن أن تكون الحل الأنسب أو البديل لذوي الكفاءات خاصة العاملين في دول الخليج ولديهم نية في المحافظة على إقامتهم فيها أو من كانت لديهم النية للعودة للوطن أو زيارة دولتهم الأم في المستقبل[9].
المطلب الثاني: اللجوء الإنساني من منظور القانون الدولي الإنساني
اولًا: القانون الدولي الإنساني
إن القانون الدولي الإنساني الذي يطلق عليه أيضًا اسم قانون النزاعات المسلحة أو قانون الحرب يتكون من قواعد تستهدف في زمن الحرب حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو توقفوا عن الاشتراك في الأعمال العدائية، فضلًا عن تقييد وسائل وسبل الحرب. وهو قانون “واقعي” يأخذ أيضًا في الحسبان المتطلبات الإنسانية التي تمثل مبدأ خفيًا للقانون الإنساني برمته، علاوة على اعتبارات الضرورة العسكرية.
وتتمثل الصكوك الرئيسية للقانون الإنساني في اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949 وفي بروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 يونيو/حزيران 1977. وتحمي اتفاقيات جنيف الأشخاص التالي ذكرهم: جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة (الاتفاقيتان الأولى والثانية)، وأسرى الحرب (الاتفاقية الثالثة)، والسكان المدنيين لا سيما في أراضي العدو وفي الأراضي المحتلة (الاتفاقية الرابعة). أما البرتوكولان الإضافيان، فإنهما عززا خاصة حماية السكان المدنيين من عواقب الأعمال العدائية، وقيدا أيضًا الوسائل والسبل المستخدمة في حالة الحرب.
وفي الوقت الراهن، جميع الدول تقريبًا هي أطراف في اتفاقيات جنيف لسنة 1949، وقد ثبت اليوم الاتجاه إلى صبغ البروتوكولين الإضافيين بصبغة عالمية، ويشمل القانون الدولي الإنساني نظامين للحماية، هما:
- النزاعات المسلحة الدولية التي تطبق فيها اتفاقيات جنيف والبرتوكولان الأولان لسنة 1977.
- النزاعات المسلحة غير الدولية، إذ تطبق المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبرتوكول الثاني لسنة 1977 في هذه الحالات التي ينشب فيها نزاع داخلي أو حرب أهلية ومن بين معاهدات القانون الإنساني المتعلقة باستعمال أسلحة معينة، تجدر الإشارة إلى الاتفاقية المهمة التي أبرمت في سنة 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة، والتي يقيد أحد بروتوكولاتها الثلاثة استعمال الألغام.
وتتحمل الدول مسؤولية جماعية بالنسبة إلى احترام الدول الأخرى وحركات المعارضة المسلحة لاتفاقيات جنيف وبروتوكوليها. كما أنها تلتزم بمقاضاة الأشخاص المتهمين بارتكاب مخالفات جسيمة أمام محاكمها، ويجوز لها أيضًا تسليمهم لدولة أخرى لمحاكمتهم فيها وعلى الرغم من أن القانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يمثلان فرعين متمايزين من فروع القانون الدولي العام، فإنهما يصبوان إلى تحقيق هدف مشترك، ألا وهو حماية الإنسان، ويحمي القانون الإنساني حقوق الإنسان الأساسية في حالات الشدة القصوى التي تمثلها النزاعات المسلحة؛ ولذلك، يجب النظر بروح تكاملية في هذين المجالين اللذين ينبغي أن يضاف إليهما قانون اللاجئين.
وبالنسبة إلى الحالات التي تندلع فيها الاضطرابات وأعمال العنف التي لا يشملها القانون الإنساني، ينبغي الاعتماد على القانون الدولي لحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية الأساسية، التي تم الجمع بينها على الأخص في ” الإعـلان عن القواعد الإنسانيـة الدنيـا ” الذي اعتمد في توركو (Turku) بفنلندا سنة 1990.
وتتضمن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها أحكاما دقيقة للغاية. وسنكتفي فيما يلي بتلخيص بعض قواعد السلوك المهمة بصورة خاصة والمطبقة في كل النزاعات المسلحة:
- يتمتع الأشخاص الذي لا يشاركون أو لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية مثل الجرحى والمرضى والأسرى والمدنيين بالرعاية والحماية في جميع الأحوال.
- يجب معاملة المدنيين معاملة إنسانية، ويحظر الاعتداء على حياتهم، كما يحظر أي شكل من أشكال التعذيب والمعاملة السيئة، وأخذ الرهائن، وإصدار أحكام دون محاكمة عادلة.
- يجب أن تميز القوات المسلحة دومًا بين الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية من جهة، والمقاتلين والأهداف العسكرية من جهة أخرى، ويحظر مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية، وينبغي اتخاذ كل التدابير الاحتياطية للإبقاء على حياة السكان المدنيين.
- يحظر مهاجمة أو تدمير المواد الاستهلاكية والأعيان اللازمة للإبقاء على حياة السكان المدنيين (ومثال ذلك المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري)، كما يحظر تجويع المدنيين كوسيلة للحرب.
- ينبغي إيواء وعلاج الجرحى والمرضى، كما ينبغي احترام وحماية المستشفيات وسيارات الإسعاف وأفراد الخدمات الطبية والدينية، وينبغي في جميع الأحوال احترام شارة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، التي هي رمز لهذه الحماية، والمعاقبة على أي سوء استعمال لها.
- على أطراف النزاع أن تقبل عمليات إغاثة السكان المدنيين ذات الطابع الإنساني غير المتحيز وغير التمييزي، وينبغي احترام وحماية العاملين في وكالات الإغاثة.
ثانيًا: الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني للاجئين:
- يتضمن قانون اللاجئين تعريفًا دقيقًا للاجئ، وعلى العكس، فإن القانون الإنساني لا يزال غامضًا للغاية في هذا الشأن، بل نادرًا ما يُستخدم هذا المصطلح، غير أن هذه الملاحظة لا تعني أن القانون الإنساني يهمل اللاجئين، حيث إنهم يتمتعون بالحماية إذا كانوا تحت سلطة أحد أطراف النزاع.
- ففي حالة نشوب نزاع مسلح دولي، يتمتع مواطنو أي بلد بعد فرارهم من الأعمال العدائية واستقرارهم في بلد العدو بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، على أساس أنهم أجانب يقيمون في أراضي طرف في النزاع (المواد من 35 إلى 46 من الاتفاقية الرابعة وتطلب الاتفاقية الرابعة إلى البلد المضيف معاملة اللاجئين معاملة تفضيلية، والامتناع عن معاملتهم كأجانب أعداء على أساس جنسيتهم لا غير، نظرًا إلى أنهم لا يتمتعون كلاجئين بحماية أي حكومة (المادة 44 من الاتفاقية الرابعة). وقد عزز البرتوكول الأول هذه القاعدة، فذكر أيضًا حماية عديمي الجنسية (المادة 73 من البرتوكول الأول). ويتمتع اللاجئون من بين مواطني أي دولة محايدة في حالة إقامتهم في أراضي دولة محاربة بالحماية بموجب الاتفاقية الرابعة، وذلك إذا لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين دولتهم والدولة المحاربة. وتحافظ المادة 73 من البرتوكول الأول على هذه الحماية حتى إذا كانت العلاقات الدبلوماسية موجودة.
- وتقضي اتفاقية جنيف الرابعة من جهة أخرى بأنه “لا يجوز نقل أي شخص محمي في أي حال إلى بلد يخشى فيه الاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو عقائده الدينية ” (مبدأ عدم جواز الطرد، المادة 45، الفقرة 4 من الاتفاقية الرابعة).
- وفي حالة احتلال أراضي دولة ما، فإن اللاجئ الذي يقع تحت سلطة الدولة التي هو أحد مواطنيها يتمتع أيضا بحماية خاصة، إذ إن الاتفاقية الرابعة تحظر على دولة الاحتلال القبض على هذا اللاجئ، بل تحظر عليها محاكمته أو إدانته أو إبعاده عن الأراضي المحتلة (المادة 70، الفقرة 2، من الاتفاقية الرابعة).
- بيد أن المواطنين الفارين في أي دولة من نزاع مسلح للإقامة في أراضي دولة لا تشترك في نزاع دولي لا يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، ما لم تقع الدولة الأخيرة بدورها فريسة لنزاع مسلح داخلي، ويتمتع اللاجئون عندئذ بالحماية بناء على المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف وأحكام البرتوكول الثاني. وفي هذه الحالة، يقع هؤلاء ضحية لحالتين من النزاع: أولا في بلدهم، ثم في البلد المضيف.
ثالثًا: الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني للأشخاص المهاجرين داخل بلدانهم:
- يتمتع السكان المدنيون في حالة نشوب نزاع مسلح، كما سبق بيانه، بحصانة من شأنها أن تضعهم بقدر الإمكان في مأمن من آثار الحرب. وحتى في زمن الحرب، ينبغي أن يتمكن الأهالي من العيش عيشة عادية بقدر الإمكان، وينبغي خاصة أن يتمكنوا من البقاء في أراضيهم، لأن ذلك يمثل أحد الأهداف الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
- وإذا أرغم أحد المدنيين على ترك موطنه بسبب الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، فإنه يتمتع بالحماية بموجب هذا القانون من باب أولى. ويجوز أن تتعلق هذه الحماية بالقانون المطبق في النزاعات المسلحة الدولية أو في النزاعات المسلحة الداخلية، لأن هذين النوعين من النزاعات قد يؤديان إلى تشريد السكان داخل بلدهم.
- وبالنسبة إلى عمليات التهجير الناجمة عن أي نزاع مسلح دولي، فإن الأشخاص المهاجرين بصفتهم مدنيين هم موضع حماية مفصلة للغاية من آثار الأعمال العدائية. فالبرتوكول الأول يخصص لمسألة الحماية فصلًا مهمًا (المادة 48 وما يليها). وفضلًا عن ذلك، يحق للسكان المدنيين الحصول على المواد الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة (المادة 23 من الاتفاقية الرابعة، والمادة 70 من البروتوكول الأول). وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة إلى سكان الأراضي المحتلة (المادة 55 والمادة 59 وما يليها من الاتفاقية الرابعة، والمادة 69 من البروتوكول الأول). ولا يجوز من جهة أخرى ترحيل السكان خارج الأراضي المحتلة. وينتفع السكان المدنيون عمومًا بالضمانات الأساسية المنصوص عليها في المادة 75 من البروتوكول الأول.
- وإذا فر السكان المدنيون من مواطنهم بسبب نزاع مسلح داخلي، فإنهم يصبحون موضع حماية مشابهة للغاية للحماية المنصوص عليها في حالة نشوب نزاع مسلح دولي. وإن كانت المبادئ الأساسية لهذه الحماية موضحة تمامًا، إلا أنه ينبغي التسليم بأن القواعد لم تحدد بما فيه الكفاية. ولما كانت النزاعات المسلحة الداخلية أكثر شيوعًا اليوم، فإننا سنسرد فيما يلي القواعد ذات الصلة على نحو تفصيلي إلى حد ما.
- إن المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع هي حجر الزاوية لتلك الحماية، وتتضمن بصورة مقتضبة للغاية بعض المبادئ الأساسية، فبعدما ذكر فيها أن الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية ينبغي أن يعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية، قضت بحظر التصرفات التالية: الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية (وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتعذيب، والتشويه والمعاملة القاسية)، وأخذ الرهائن، والاعتداء على الكرامة الشخصية (وعلى الأخص المعاملة المهينة للكرامة)، وإصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا، وتكفل جميع الضمانات القضائية الأساسية. وفضلًا عن ذلك، ينبغي إيواء المرضى والجرحى والاعتناء بهم.
- وهذه الضمانات الأساسية واردة أيضًا في البروتوكول الثاني الذي ينص على الضمانات الواردة في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ويحظر على الأخص العقوبات الجماعية وأعمال الإرهاب والسلب (المادة 4 (1) و (2)). وفضلًا عن ذلك، فإن حظر الاعتداء على الكرامة الشخصية يشمل صراحة “الاغتصاب والإكراه على الدعارة وكل ما من شأنه خدش الحياء”. ويتمتع الأشخاص الذين قيدت حريتهم بضمانات إضافية (المادة 5)، كما تنص المادة 6 على ضمانـات قضائية. ويتمتع المرضى والجرحى بالاحترام والحماية (المواد من 7 إلى 12). ومن المنصوص عليه أخيرًا حماية خاصة للنساء والأطفال (المادة 4، 3) على الأخص.
- وفضلًا عن ذلك، يحمي البرتوكول الثاني السكان المدنيين من عواقب الأعمال العدائية، وهكذا يتمتع السكان المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية (المادة 13). ولا ينبغي خاصة أن يكونوا عرضة للهجمات، ومن المحظور أيضًا ” أعمال العنف أو التهديد بها الرامية أساسًا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين”.
- ومن جهة أخرى،”يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال” (المادة 14). ومن ثم يحظر مهاجمة، أو تدمير، أو نقل، أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ” (مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري)، ومن المحظور أيضًا مهاجمة الأشغال والمنشآت الهندسية التي تتضمن قوى خطرة، أي السدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية، إذا تسبب ذلك في إلحاق خسائر جسيمة بالسكان المدنيين (المادة 15). وتتمتع الأعيان الثقافية وأماكن العبادة بالحماية أيضًا(المادة16).
- كما يحظر البرتوكول الثاني الترحيل القسري للمدنيين، إذ لا يجوز الأمر بترحيلهم إلا بصفة استثنائية، إذا تطلبت ذلك دواعي الأمن أو أسباب عسكرية مُلحة. وفي هذه الحالة، ” يجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لاستقبال السكان المدنيين في ظروف مُرضية من حيث المأوى والأوضاع الصحية الوقائية والعلاجية والسلامة والتغذية ” (المادة 17). ومن المفهوم ضمنًا من الطابع الاستثنائي للترحيل أن هذا التدبير لا يجوز إلا أن يكون مؤقتًا حتى وإن لم ينص هذا الحكم على ذلك صراحة.
- وأخيرًا، إذا حرم السكان المدنيون من المواد الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة (كالأغذية والمواد الطبية)، فإنه ينبغي تنفيذ “أعمال الغوث ذات الطابع الإنساني والحيادي البحت وغير القائمة على أي تمييز مجحف ” بموافقة الدولة المعنية.
- وبالنسبة إلى مسألة تسيير الأعمال العدائية، اعتمد معهد سان ريمو الدولي للقانون الإنساني في سنة 1990 ” إعلانًا بشأن قواعد القانون الإنساني المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية في النزاعات المسلحة غير الدولية”. ويتضمن هذا الإعلان مبادئ عامة عن تسيير الأعمال العدائية، بالإضافة إلى بعض القواعد المتعلقة باستعمال أسلحة معينة.
- ومن الملاحظ بالتالي، أن القانون الدولي الإنساني يعتمد نهجًا شاملًا يستهدف الحفاظ على حياة السكان المدنيين كافة، إذا لم تذكر فيه مسألة ترحيل السكان المدنيين إلا نادرا، فإن ذلك لا يعني إطلاقا أنه لا ينص على الحماية القانونية، إذ إن احترام القانون ينبغي على العكس أن يسهم في تفادي الترحيل القسري.
- وبطبيعة الحال، لا يمكن أبدا أن تكون الحماية القانونية كاملة، بل، حتى لو روعيت جميع قواعد القانون الإنساني لجرت عمليات ترحيل السكان، ومع ذلك، فإن من شأن احترام القواعد ذات الصلة أن يسمح بتفادي معظم حالات الترحيل التي تسببها الحرب، إذ إن الحرب هي اليوم السبب الرئيسي للترحيل القسري للسكان.
- ولذلك، فمن الضروري أن تصبح الدول التي لم تلتزم بعد باتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين أطرافًا في هذه الصكوك، وأن يفي المتحاربون بالتزاماتهم ويطبقون القواعد التي تعهدوا بمراعاتها تطبيقًا أمينًا.
- إننا لن نشدد أبدًا بما فيه الكفاية على الالتزام بالتعريف بالقانون الإنساني لدى أفراد القوات المسلحة خاصة، بل كذلك لدى السكان المدنيين عامة، لأن نشر قواعد القانون الدولي الإنساني هو تدبير وقائي مهم[10].
المبحث الثاني: مواقف الاتجاهات السياسية الأوروبية من الهجرة واللجوء:
المطلب الأول: اليمين في أوروبا
أولًا: اليمين المتطرف
تم استخدام أزمة اللاجئين كورقة ضغط على الحكومات الأوروبية، خاصة ألمانيا، من جانب المعارضة، الأمر الذي أدى لصعود اليمين وفرض اعتبارات الأمن والحفاظ على الهوية وعلى القيم الإنسانية. فقد عكست الإجراءات والتصريحات بقلق الدول من تدفق اللاجئين الكثير من الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي وتلك المرشحة لدخوله. ففي 19 أغسطس 2015 انتقد رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوتشيتش الاتحاد الأوروبي بسبب عدم الرد على بناء المجر للسياج الحدودي، وقال إن بلغراد سوف تشيد مأوى لآلاف المهاجرين العابرين إلى أوروبا الغربية، فيما وصف الرئيس المجري، يانوش أدير، تدفق مئات اللاجئين إلى حدود بلاده بـ”الحصار”، ومن جهتها، استنفرت بلغاريا قواتها على الحدود تحسبًا لتدفق اللاجئين إلى أراضيها. وعقد رئيس الحكومة بويكو بوريسوف ووزراء الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية والمخابرات اجتماعا طارئًا، ناقشوا خلاله تحذير وزير الخارجية الصربي إيفيتسا داشيتش من اتجاه اللاجئين إلى بلغاريا وكرواتيا عند إغلاق الحدود المجرية في وجههم، أما رئيس الحكومة التشيكي بوهوسلاف سوبوتكا، فقد حذر من اتخاذ دول الاتحاد الأوروبي إجراءات أحادية الجانب في مواجهة أزمة اللاجئين. ويأتي ارتفاع وتيرة حركة المهاجرين واللاجئين السوريين إلى أوروبا على نحو غير مسبوق، في ظل تصاعد نفوذ الأحزاب اليمينية في أوروبا، التي تشجع على معاداة المهاجرين، وتدعو لطردهم، ومن مظاهر تنامي قوة اليمين المتطرف في أوروبا الإعلان عن تشكيل تكتل يضم الأحزاب اليمينية المتطرفة داخل البرلمان الأوروبي برئاسة زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي اليميني المتطرف مارين لوبان، ومن بين أبرز الأحزاب التي انضمت إلى التكتل حزب الحرية النمساوي، والرابطة الإيطالية الشمالية، إضافة إلى حزب فلامس البلجيكي.
وسيحصل التكتل على العديد من المزايا مثل دعم مالي من البرلمان الأوروبي تتراوح قيمته بين 20 إلى 30 مليون يورو على مدى خمس سنوات، ووضع مكاتب ومقرات تحت تصرف النواب الأوروبيين التابعين للتكتل الجديد وزيادة وقت المداخلات خلال مناقشات البرلمان لكل عضو من دقيقة إلى دقيقتين، وإمكانية التصويت على تعديلات تقترحها أحزاب أوروبية أخرى. وتعتبر المجر من أكثر الدول المعارضة لسياسات قبول اللاجئين أو توزيع الحصص بين الدول المختلفة، حيث يحكمها حزب يميني متطرف من الأحزاب المعادية للمهاجرين، ومن المتوقع أن تؤثر تلك التيارات على سياسات الهجرة واللجوء الأوروبية مستقبلًا[11].
لقد حولت الأحزاب السياسية المتناحرة في الدول الغربية قضية اللاجئين إلى لعبة سياسية، يستخدمها السياسيون المعارضون، ربما اليمين على وجه الخصوص، كورقة ضغط لجني مكاسب سياسية لهم؛ وقد حدث ذلك في العديد من الدول؛ فقد ووجه موقف الحكومة الألمانية بمساندة قضية اللاجئين السوريين، بتحديات سياسية، وانقسام كبير في الداخل الألماني، حيث واجهت ميركل مطالب متزايدة من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تترأسه، ومن الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم بولاية بافاريا الجنوبية، بأهمية تعديل سياستها الحالية تجاه اللاجئين، ويبدو أن الحكومة الألمانية أخذت تتأثر بهذا الضغط السياسي، في ظل مطالبات حزب المعارضة وتمسكه بإلغاء حق اللاجئين السوريين في جمع الشمل. بينما في بريطانيا، فقد رفضت بداية المشاركة في الخطة الأوروبية الموحدة التي تقضي باستضافة المهاجرين السوريين في أوروبا، ولحفظ “ماء الوجه” أعلنت أنها ستخصص نحو مليار جنيه إسترليني مساعدات إنسانية لهؤلاء اللاجئين، واعتبر ذلك سياسية مربكة ومخجلة للحكومة تجاه الأزمة السورية. أما السويد فالمعارضة اليمينية، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي، لا تكف عن انتقاد سياسة الحكومة تجاه اللاجئين، وقد بلغ عدد طلبات اللجوء فيها نحو ٥٦ ألفًا مع نهاية 2015، وأضحى تدفق اللاجئين الأجانب والسوريين مشكلة بين الحكومة والمعارضة. وفي هولندا، الحكومة الهولندية اليمينية بدأت مؤخرًا تنتهج نهجًا لا إنسانيًا للضغط على اللّاجئين المقيمين على أراضيها، ودفعهم لتركها، ويواجه سياساتها تلك اليسار الهولندي المعارض لها، وقد دعت أحزاب الائتلاف VVD وPvdA إلى تنفيذ سياسة التقشف الصارمة في عملية قبول اللاجئين، ومن ذلك خفض الامتيازات والمساعدات المقدمة للاجئين بما فيها إلغاء امتياز إعطاء الأولوية للاجئين على قائمة الانتظار للسكن الاجتماعي. خاصة مع إهمال عملية الإدماج حيث ثبت فشل ثلثي المهاجرين واللاجئين الذين خضعوا لفحص الاندماج بعد مرور ثلاث سنوات على وجودهم في البلاد[12]. وأثبتت أزمة اللاجئين المخاوف منتشرة في قطاع عريض داخل دول الاتحاد خصوصًا أوروبا الشرقية، ولا يمكن فهم ذلك بمعزل عن أزمة اليونان الاقتصادية عن نمط متوحش من الكراهية جسدته جماعات فاشية مثل “الفجر الذهبي“، والتي برزت فجأة لتباشر هجماتها القاتلة وعمليات الترويع. حتى في ألمانيا المغمورة بالرفاهية بات الاعتداء على مساكن اللاجئين حدثًا اعتياديًا تقريبًا، بينما تواصل جماعات يمينية مظاهراتها ضد اللجوء.
القادمون الجدد هم بشر وليسوا إحصاءات جامدة أو مؤشرات اقتصادية مجردة، فمع هذه الإضافات الديموغرافية تنشأ وقائع ومستجدات وتتشكل ظواهر وتفاعلات في المشهد المجتمعي. وتُستثار في ظلال التدفقات كوامن القلق الاجتماعي والمخاوف الاقتصادية الساذجة ومشاعر الخشية غير المبررة على مواقع العمل وفرص السكن والخدمات الاجتماعية، بما يُذكي حمى العنصرية والعداء، ويبعث الهواجس الثقافية المتعلقة بالهوية ومسائل الاندماج[13].
تتّخذ الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة من الخطر الدّيموغرافي والأمنيّ للمهاجرين غير الشرعيين ذريعة لكسب التّأييد الشّعبي ولمحاولة الوصول إلى السّلطة، وهي تريد إلغاء اتّفاقيّة “شينغن” كمقدّمة لفرط عقد الاتّحاد الأوروبي. لكن في المدى المنظور من المتوقّع ألّا يستغني الاتّحاد الأوروبي عن هذه الاتفاقية بسهولة، بل سيعمل على تعديلها وتحسينها لمواجهة التّحدّيات الإنسانيّة الّتي فرضتها الهجرة، وفي أسوأ الحالات قد يُوقف العمل بها لفترة محدودة ريثما يتمّ إيجاد حلّ لأزمة الهجرة غير الشرعية.
أثبتت سلسلة من التّجارب أنّ اليمين المتطرف في الغرب يَصِل إلى ذروة نجاحه عندما تعجّ الأجواء السّياسيّة بالأزمات النّاتجة عن الإرهاب. فلقد حقّقت هذه الأحزاب انتصارات متتالية وازدادت شعبيّتها في الآونة الأخيرة في دول أوروبّيّة عديدة، ليس بسبب إقناع قسم من النّاخبين بأفكارها السّياسيّة فحسب، بل في الكثير من الأحيان بسبب خوف هؤلاء من المجهول.
أ- أفكار الأحزاب اليمينية
على الرغم من بعض الاختلافات في الأولويّات المحلّيّة لبعض الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة في أوروبا، فإنّ هذه الأحزاب تشترك في موقف موحّد تجاه الحدّ من الهجرة بشكلٍ عامّ سواء أكانت شرعيّة أم غير شرعيّة، بحيث تصوّر المهاجرين بأنَّهم السبب الرئيس للبطالة والجريمة ومظاهر أخرى لتدهور الأمن الاجتماعي، وكمستغلّين للتقديمات الاجتماعيّة والصّحّيّة الّتي توفّرها الدّولة.
تعارض هذه الأحزاب الهجرة غير الشرعية وتَعتَبرها السّبب الرئيس الكامن وراء الأعمال الإرهابيّة الّتي تتعرّض لها أوروبا. فهي ترى أنّ الإرهابيّين يتسلّلون مع المهاجرين غير الشرعيين، ومن ثمّ يتنقّلون بسهولة بين الدّول الأوروبية بسبب عدم وجود إجراءات تدقيق على الحدود الدّاخليّة بين هذه الدول.
تذهب هذه الأحزاب إلى اعتبار، ليس فقط المهاجرين غير الشرعيين على أنّهم إرهابيون، بل المهاجرين كافّة وتحديدًا الشرعيين منهم الذين أصبحوا مواطنين أوروبّيّين. وقد عبّر عن هذه الفكرة رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، إذ اعتبر أنّ السؤال المطروح هو ليس ما إذا كان المهاجر إرهابيًا، فهم كلّهم إرهابيون، إنما السؤال هو متى وصل إلى أوروبا؟
بالنسبة لهذه الأحزاب إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تعتبر عمليّة منظّمة لغزو أوروبا، فمعظم المهاجرين يأتي من سوريا أو العراق حيث تنتشر التّنظيمات الإرهابيّة لا سيّما تنظيم “داعش”، وغالبيّتهم من الرّجال غير المتزوّجين، ففي العام 2014 شكّل الذكور 71% منهم.
تجدر الإشارة هنا، إلى أنّ العديد من الأوروبيين يقاتل إلى جانب تنظيم “داعش” ثمَّ يعود إلى أوروبا بعد أن يكون قد تدرّب على استعمال السّلاح وتحضير المتفجّرات. كما تعتبر الأحزاب اليمينيّة أنَّ هؤلاء هم بمثابة خلايا نائمة جاهزة للقيام بأعمال إرهابيّة.
وتحارب هذه الأحزاب التّنوّع الثّقافي في المجتمع، وتحمل أيديولوجيا معادية لجميع الثّقافات الوافدة، وكانت أوَّل من استخدم مصطلح “زينوفوبيا” في حملاتها الانتخابيّة. كما تسعى إلى وضع نهاية للاتّحاد الأوروبي، وقد بدأت بالضّغط نحو إلغاء إحدى أهمّ اتّفاقيّاته، اتّفاقيّة “شينغن”، الّتي تعتبرها سببًا أساسيًّا في تنقّل الإرهابيّين بحرّيّة.
ب- أبرز الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة في أوروبا.
حصل حزب “الشّعب الدّانماركي”، أكثر الأحزاب تطرفًا في الدّانمارك، على 21.1% من الأصوات في الانتخابات العامّة العام 2015، ليصبح بذلك ثاني أكبر حزب في البرلمان. يرفض هذا الحزب تأسيس مجتمع من المهاجرين في الدّانمارك، وهو يسعى بقوّة القانون للحدّ من تدفّق اللّاجئين.
يتبنّى حزب “الجبهة الوطنيّة” الفرنسيّ أجندة انفصاليّة عن الاتّحاد الأوروبي، كما يعادي بشدّة العملة الموحّدة واستقبال المزيد من اللّاجئين المسلمين، خصوصًا بعد أحداث تشرين الثّاني 2015 في باريس. كما يلاحظ أنّ شعبيّة هذا الحزب في ارتفاع متواصل منذ العام 2007:
– فاز بـ 23 مقعدًا من أصل 74 لفرنسا في البرلمان الأوروبّي في العام 2014 مقارنة بالعام 2009 حين لم يفز سوى بـثلاثة مقاعد.
– لم يفز في أي محافظة من انتخابات المحافظات الفرنسيّة في العام 2015، إلّا أنَّه حصل على 27.1% مقارنة بانتخابات 2010 حين لم يحصل سوى على 11.4%، وقد اضطر حزب اليسار بزعامة الرئيس فرنسوا هولاند للتّحالف مع حزب الوسط بزعامة الرئيس السّابق نيكولا ساركوزي لمنعه من اكتساح 6 من أصل 12 محافظة.
يشبه حزب “الحرّيّة” الهولّندي حزب “الجبهة الوطنيّة” الفرنسي بتبنّيه موقفًا معاديًا للإسلام وللاتّحاد الأوروبّي والمهاجرين الأجانب، ويرفض هذا الحزب انضمام دولة مسلمة كتركيا إلى الاتّحاد الأوروبي، ويستند منهجه إلى التّراث المسيحيّ في أوروبا، وقد حصل هذا الحزب على أربعة مقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبّي الحالي من أصل 26 لهولندا.
يعمل حزب “الاستقلال” البريطاني المعادي للهجرة على حماية الهويّة الإنجليزيّة من المهاجرين ويطالب بانسحاب بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي، كما يشغل حاليًّا 22 مقعدًا في البرلمان الأوروبّي ومقعدين في مجلس العموم البريطاني.
يكافح حزب “السّويد الدّيمقراطي” اليميني المتطرّف، بشكل مستمرّ من أجل الوصول إلى السّلطة، وقد حقّق نسبة 13% في الانتخابات الأخيرة واحتلّ 49 مقعدًا ليصبح الحزب الثّالث داخل البرلمان، ويرفض هذا الحزب القوانين الميسّرة لعمليّة الهجرة ويرفض الشّروط التي تحكم عضويّة السّويد بالاتّحاد الأوروبي[14].
ثانيًا: اليمين المعتدل
يرى اللبراليون المعتدلون الهجرة كمسألة ترتبط بتعدد الثقافات، ولا يرون فيها ما يدعو للخوف. إذ يقول “تزيفتان تودوروف” في مقال له بعنوان “التعايش مع ثقافات مختلفة” والذي نشر في مجلة “Semaines Sociales de France” : “تجلب الهجرة العديد من الفوائد على بلدان أوروبا الغربية. هذا دون الحديث عن أن المهاجرين الجدد يقبلون ممارسة مهن يحتقرها السكان الأصليون، كما يقبلون العمل بأجور زهيدة مقارنة مع هؤلاء السكان (وهذه ليست ميزة فخر لنا نحن الاوروبيون)”. ويضيف: “يجب أن نكون على وعي بمساهمة الهجرة في تجديد النشاط الضروري للسكان، ومن ثم الرفع من نسبة الأصول بالنسبة للمتقاعدين. وبشكل عام، إن المهاجرين يحفزهم الطموح والدينامية كخصائص فريدة لكل الوافدين الجدد؛ حيث يتميزون بروح المبادرة والقدرة على الابتكار. بطريقة غير مباشرة، يؤدي المهاجرون خدمة خاصة للسكان الذين يستقبلونهم على أراضيهم، عن طريق اختلافهم، يسمح المهاجرون للسكان الأصليين بالتعرف إلى أنفسهم من الخارج عبر نظرة الآخر، الشيء الذي يبقى جزءًا من صميم نزوع الجنس البشري، لكي يكون بمقدور هذه المساهمات أن تحقق بالفعل لصالح الخير العام، فعلى المهاجرين أن يشاركوا بأنفسهم في اندماجهم داخل المجتمع الذي يوجدون في داخله”[15].
ووصف تودوروف – في مقابلة معه في موقع Books في 24/9/2009م – الأسوار التي توضع لمنع وصول المهاجرين أو ما يعرف بالجدران المناهضة للمهاجرين بـ”جدران تشوه الإنسان”[16]. ويدعو تودوروف إلى ضرورة الانخراط في عمل مشترك على مستوى الاتحاد الاوروبي، حتى لا تنقاد الشعوب الأوروبية، وتخضع للأصوات اليمينة المتشددة[17]. ومن خلال موقف تودوروف يتضح موقف اليمين الليبرالي الأكثر اعتدالا الذي يرحب بالمهاجرين واللاجئين ليس فقط من وجهة نظر إنسانية، ولكن أيضًا من وجة نظر ترى في وجودهم في أوروبا مصلحة في خدمة القارة العجوز.
المطلب الثاني: اليسار في أوروبا
تعتبر أحزاب اليسار أن أزمة الهجرة غير الشرعية هي أزمة إنسانيّة بحتة وينبغي التّعامل معها على هذا الأساس، وقد عانت في السّنوات الأخيرة ولا تزال، تراجعًا في شعبيّتها بسبب سياستها هذه في مقابل تنامي شعبية الأحزاب اليمينيّة المتطرفة، وتعتبر أنّ خطاب هذه الأخيرة يغذي مشاعر الحقد والكراهية للمهاجرين لدى سكّان أوروبا الأصليين. يعتبر المفوّض الأوروبي جان كلود يونكر من أبرز المدافعين عن المهاجرين إذ قال: “يمكننا بناء جدران، يمكننا إقامة الحواجز، لكن تخيّل أنَّك أنت تحمل طفلك بين ذراعيك والعالم من حولك ينهار، لا يوجد جدار لن تتسلقه، أو بحر لن تعبره، أو ثمن لن تدفعه، أو حدود لن تقطعها لو كنت تريد الهرب من بربريّة داعش”. وقد عبّر معظم قادة الدول الأوروبية عن تخوّفهم من خطر الصعود المتواصل لأحزاب اليمين المتطرّف، إذ اعتبر رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس أن “ربح اليمين المتطرف في الانتخابات يعني الحرب الأهلية”، فيما عبّرت المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركيل عن تخوّفها من أن تؤدي عدائيّة هذه الأحزاب تجاه المهاجرين إلى انقسام ألمانيا. وجدت أحزاب اليسار نفسها مضطرّة في أحيانٍ كثيرة، وعلى مضض، إلى وضع يدها في يد اليمين الوسط كي يتمكّنا معًا من إقصاء اليمين المتطرّف، ويعني ذلك انزواء الأحزاب اليساريّة مؤقتًا وتركز الصراع بين اليمين واليمين الأكثر تطرفًا. ولقد تحول اليمين المتطرف في السّنوات الأخيرة من مجموعات ضاغطة كانت تقتصر أنشطتها في السّابق على التّظاهر، إلى أحزاب تتمتّع بشعبية واسعة وتهدد أكثر من أي وقت مضى تماسك المجتمعات الأوروبية. وتتخوف الأحزاب اليساريّة من تأثير خطاب الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة على الرأي العام، ولعل أبرز الأحداث الدّالّة على هذا التّأثير هو قيام أندريس برايفيك في 22 تموز 2011 بإطلاق النّار على طلّاب خلال مخيم على جزيرة يوتويا في النّرويج، ما أدى إلى مقتل 69 منهم. قبل العملية، قام أندريس بتوزيع مناشير تعرّفه على أنه مقاتل من اليمين المتطرّف، وأنه يقاتل من أجل استقلال أوروبا. وصلت تردّدات الأحداث في أوروبا مؤخرًا إلى المجتمع العالمي، إذ أقدم كريغ هيكس في 11 شباط 2015 على قتل ثلاثة أشخاص مسلمين على خلفيّة دينيّة في نورث كارولاينا في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وقد جاء هذا الحادث عقب الهجوم على جريدة تشارلي إيبدو[18].
المبحث الثالث: انعكاسات أزمة اللاجئين على الاستقرار الدولي
المطلب الأول: تأثير أزمة اللاجئين على أوروبا
تشهد ظاهرة القادمين الجدد إلى القارة الأوروبية بشكل عام وقضية اللجوء السوري بشكل خاص أنواعًا متعددة من التشابك والتداخل والتعقيد، سواء أكان سياسيًا أم اقتصاديًا أم أمنيًا أم ثقافيًا، وبالإضافة إلى القيود المفروضة على الحدود الأوروبية، وضعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضًا إجراءات أخرى مثل اتفاقيات مع بلدان المنشأ والعبور لمنع رحلات الهجرة واستخدام الاعتقال بمثابة رادع، واتفاقيات إعادة القبول لتسهيل عودة المهاجرين غير النظاميين إلى البلدان المجاورة. ومع ذلك، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من دخول اللاجئين والمهاجرين في مناطق معينة، لا يكف الناس عن محاولة دخول أوروبا ويغيرون مساراتهم وفقًا لذلك وأحيانًا يغيرون وجهاتهم إلى دول أوروبية أخرى، الأمر الذي دعا لإجراءات محددة من جانب الدول الأوروبية، يمكن بيان ملامحها فيما يلي:
لقد شهدت أوروبا تباينًا في المواقف إزاء تلك الموجة الجديدة من القادمين، فقد شغلتها الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء حول مسألتي استقبال اللاجئين وإغلاق الحدود. وبين عامي 2007 و2013 خصص الاتحاد الأوروبي قرابة ملياري يورو لتعزيز أمن حدوده الخارجية، وصرف مبالغ هائلة على مبادرات الهجرة مثل مراكز الاستقبال والاحتجاز في البلدان خارج الاتحاد الأوروبي كإجراء استباقي للتعامل مع حالات المهاجرين قبل توافدهم. وبالمقابل، لم يُستَخدَم من ذلك المبلغ أكثر من 17% منه (700 مليون يورو) في المدة ذاتها في جانبي إعادة توطين اللاجئين ودمجهم، كما أن القدر الأكبر من هذه المساعدات للاجئين السوريين مكرَّس إلى الإغاثة الطارئة، وحتى سبتمبر 2015، تجاوزت قيمة المساعدات التي قدمتها المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء فيها 4.2 مليار يورو بالإضافة إلى مساعدات أخرى وعدت بتقديمها. ولذلك فقد أصبحت استمرارية المساعدات على المحك بعد خفض مساعدات برنامج الأغذية العالمي في الدول المضيفة الإقليمية وما يصاحبه من أثر عميق على عائلات اللاجئين.
وتسعى الاستراتيجية الأوروبية لتحقيق هدفين رئيسيين هما؛ الحد من تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية، والتعامل الفعلي مع اللاجئين الذين يتمكنون من الوصول إلى الأراضي الأوروبية. وبناء على هذين العنصرين تتشكل الملامح العامة لتلك الاستراتيجية فيما يلي:
- توطين اللاجئين: يسعى الاتحاد الأوروبي للتوصل لاتفاق نهائي بين الدول الأعضاء لتوزيع اللاجئين للمشاركة في تحمل الأعباء، مع ملاحظة أن الأعداد التي يتم التخطيط لاستقبالها تزداد مع زيادة تدفق اللاجئين، فقد ارتفع العدد من 40 ألف لاجئ خلال مايو الماضي إلى 120 ألفًا خلال سبتمبر 2015، لكن الحديث يدور حاليا حول خطط لزيادة العدد إلى 160 ألفًا وهو لا يشمل جميع من وصلوا إلى أوروبا، ففي حين وصل إلى الدول الأوروبية أكثر من 441,2 ألف لاجئ. ويأتي ذلك في ظل زيادة معدل تدفق اللاجئين إلى أوروبا والتي تؤدي إلى زيادة الحصص المخطط لاستيعابها بكل دولة، فقد كان عدد اللاجئين حتى مايو 2015 لا يتجاوز 287,6 ألف لاجئ، وكان من المخطط استيعاب 40 ألف لاجئ فقط، لكن عدد اللاجئين ارتفع إلى 441,2 ألف حتى سبتمبر 2015، لذا تمت زيادة مجموع الحصص إلى 120 ألف لاجئ، ثم إلى 160 ألفًا في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن وصول نحو 630 ألف لاجئ إلى أوروبا[19].
- تعزيز الاعتبارات الأمنية: خلال السنوات الماضية، غلب على سياسات الهجرة الأوروبية الطابع الأمني، بمعنى التركيز على البعد الأمني في إدارة هذا الملف، من خلال مجموعات من السياسات، ركزت من خلالها الدول الأوروبية على التعاون مع دول جنوب المتوسط التي تعتبر مصدرًا وممرًا للمهاجرين لتشديد الرقابة على حدودها ومنع تدفق موجات الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تعقب شبكات التهريب، واستقبال المهاجرين الذين تتم إعادتهم مرة أخرى في مراكز الاحتجاز، حيث يتعرضون لألوان متعددة من التعذيب وإساءة المعاملة والمعيشة في ظروف غير إنسانية[20].
تسعى الاستراتيجية الأوروبية لتحقيق هدفين رئيسيين؛ هما الحد من تدفق اللاجئين إلى القارة، ثم التعامل الفعلي والتضييق على الذين تمكنوا بالفعل من العبور للأراضي الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، ركزت سياسات الدول الأوروبية في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية على تشديد الرقابة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية وتشغيل دوريات أمنية في البحر المتوسط لمنع تقدم سفن المهاجرين إلى القارة الأوروبية. وخلال أزمة اللاجئين الراهنة لم يختلف المسلك كثيرًا على المستوى الأمني، حيث كان تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي أحد العناصر الرئيسية في كافة خطط الاتحاد الأوروبي المعلن عنها. وفي هذا الإطار، تصاعدت دعوات اللجوء إلى الخيار العسكري، من خلال استخدام قطع بحرية وجوية لضرب المراكب التي تستخدمها شبكات التهريب[21]. كما يمكن الإشارة إلى نقطتين مهمتين في آليات التعامل الأوروبي مع اللاجئين وطالبي اللجوء؛ المرتبطتين بشكل أو بآخر بالإستراتجية الأوربية وأهدافها:
- التمييز بين اللاجئين السياسيين والمهاجرين الاقتصاديين: في خضم تطورات أزمة اللاجئين إلى أوروبا، تحاول بعض القوى المناوئة للمهاجرين الادعاء بأن القادمين للقارة الأوروبية هم مهاجرون اقتصاديون وليسوا لاجئين سياسيين، بمعنى أنهم يبحثون عن حياة أفضل ولم يهربوا من مناطق صراعات، ومن بينهم اللاجئون السوريون، لكن هذه الادعاءات واهية، فسوريا على سبيل المثال أصبحت ساحة للصراعات بين القوى الإقليمية وبعضها من جهة، وبين القوى الدولية وبعضها من جهة ثانية، بل وبين الفواعل دون الدول من جهة ثالثة.
- إقامة مراكز إيواء: في سبيل التخلص من أعباء استقبال اللاجئين، دعا الاتحاد الأوروبي لإقامة مراكز إيواء ببعض الدول للبت في طلبات اللجوء التي يتقدم بها المهاجرون للتمييز بين اللاجئين السياسيين والمهاجرين الاقتصاديين، لمنح المجموعة الأولى الحق في الإقامة واللجوء إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، في حين يتم حرمان المجموعة الثانية من الوصول إلى فرصة تحقيق “الحلم الأوروبي”. ومن بين الدول التي تم اقتراح إقامة مراكز إيواء بها اليونان وإيطاليا باعتبارها من المحطات الأولى للاجئين في طريقهم إلى أوروبا. ويعتمد الاتحاد في ذلك على تقديم مساعدات مالية تصل قيمتها إلى مليار يورو لتحسين أحوال اللاجئين بدول الجوار السوري ودول المنطقة الأخرى التي تضم اللاجئين إضافة إلى مليارات أخرى قدمت لتركيا[22].
وتنطلق الاستراتيجية الأوروبية أو جهود الوصول إليها من مجموعة من المبادئ الرئيسية تتمثل في المشاركة في تحمل الأعباء، وحماية حقوق الإنسان أو الدفاع عن القيم الأوروبية، وحماية هوية أوروبا المسيحية.
1- التشاركية: تنطلق خطة الاتحاد الأوروبي من مبدأ المشاركة بين كافة الدول الأعضاء في تحمل أعباء إدارة الأزمة وعدم تكفل دولة واحدة بها، وترفع لواء هذا المبدأ بشكل دائم الدول التي تتحمل العبء الأكبر لاستقبال اللاجئين خاصة ألمانيا والسويد.
2- الدفاع عن القيم الأوروبية: تزعم دول الاتحاد الأوروبي أنها قلعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن هذه الادعاءات -بغض النظر عن صدقها من عدمه- تعرضت لاختبار شديد واتهامات بالكذب والتضليل بعد تكرار حوادث غرق اللاجئين في أعماق البحر المتوسط بل وداخل الأراضي الأوروبية بالشاحنات ومحطات القطارات؛ فإن اتساع نطاق الأزمة قد دفع دول القارة، حتى تلك التي أعلنت ترحيبها باللاجئين السوريين، إلى اتخاذ إجراءات للحد من تدفقات اللجوء إليها، الأمر الذي يضع القيم الأوروبية المزعومة على المحك.
3- الدفاع عن الهوية الأوروبية: إن أزمة العديد من القوى الأوروبية مع اللاجئين لا تكمن في أعدادهم، ولكنها تكمن في عوامل تاريخية وثقافية ودينية، فغالبية اللاجئين ينتسبون للدين الإسلامي وقادمون من سوريا وأفغانستان والعراق، لذا ترى العديد من تلك القوى أن موجات اللجوء والهجرة إلى القارة الأوروبية تهدد هويتها المسيحية، الأمر الذي يتطلب موقفًا حازمًا للحد من تلك الموجات. لذا كان طبيعيًا أن تصدر غالبية الاعتراضات من دول أوروبا الشرقية بسبب الميراث التاريخي الذي جمعها بدولة الإسلام خلال قرون مضت في حروب وصراعات بينية لم تتوقف حتى وقت قريب مضى. وترتبط المخاوف الأوروبية بشكل رئيسي بهاجس تحول المسلمين إلى أغلبية في المجتمعات الأوروبية لتزايد أعداد المهاجرين واللاجئين وارتفاع معدل المواليد بينهم مقارنة بأصحاب الديانات الأخرى[23].
لقد عصفت أزمة اللاجئين الجدد بأوروبا كلها، لأنها كشفت عن فشل طويل الأمد في السياسة العامة للاتحاد في حزمة من القضايا في فترات متتابعة؛ فمن الهجرة إلى سياسات الإدماج، ومن السيطرة على الحدود إلى مكافحة الجريمة، ومن المساعدات الإنسانية إلى التضامن الداخلي وتقاسم الأعباء، ومن سياسة التجارة إلى التعاون التنموي، ومن التدخلات العسكرية إلى السياسة الأوروبية حيال الجيران، فشلت أوروبا بشكل متّسق وشامل إلى درجة أن تصحيح هذه القضية متعددة الأوجه يُعتبر من أكثر المهام تعقيدًا، والتي يتوجَّب على الأوروبيين مواجهتها بشكلٍ مشترك. لقد تغاضى الأوروبيون عن حجم هذه المشكلة، ولذلك اجتاحهم على قدم المساواة حجم الأزمة الذي خلقه هذا الفشل الذي اختلفت درجته من دولة لأخرى، خاصة مع صعوبة تنظيم تقاسم الأعباء بشكل متوازن بين الدول الأعضاء.
1- الانقسام الأوروبي: أثار تدفق اللاجئين السوريين إلى القارة الأوروبية خلافات واسعة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب رفض بعضها استقبال اللاجئين أو التحفظ على استقبال دول أخرى لهم، فقد أعلنت عدة دول، وعلى رأسها التشيك وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا، رفض خطة الاتحاد الأوروبي لتوزيع اللاجئين حصصًا بين دول الاتحاد، وهذا الرفض نابع بشكل أساسي من الدول الأوروبية المعروفة بـ”أوروبا الشرقية”. في المقابل، تتزعم ألمانيا الاتجاه الثاني الرامي إلى احتواء المهاجرين ودمجهم في المجتمعات الأوروبية، والذي تأثر نوعًا ما هو الآخر بموقف الاتجاه الأول مع مرور الوقت.
وقد وصفت منظمة العفو الدولية موقف الدول الأوروبية في مواجهة أزمة المهاجرين الفارين من الحرب في الشرق الأوسط بأنه “مخز”.
يأتي ذلك بينما تستضيف فيينا اليوم، لقاء بين تسع من دول البلقان لبحث إدارة تدفق المهاجرين الوافدين من اليونان، التي احتجت على عدم دعوتها للاجتماع وتواجه تداعيات القيود التي فرضت على عدد الذين يسمح لهم بعبور هذه الدول في طريقهم إلى أوروبا الشمالية.
ودافع وزير الخارجية النمساوي، سيباستيان كورتس، عن قرار بلاده بعدم توجيه دعوة إلى اليونان لحضور المؤتمر، بقوله إن اليونان “أظهرت بوضوح عدم رغبتها في تقليل تدفق (اللاجئين) وفي المقابل تريد الاستمرار في السماح لهم بالعبور” إلى مقدونيا ومنها يستمرون في طريقهم نحو الشمال، غير أن اليونان رأت في ذلك مبادرة “أحادية الجانب وغير ودية” تهدف إلى اتخاذ “قرارات تتعلق مباشرة بحدودها” لكن في غيابها. وأمام عجز الاتحاد الأوروبي عن ضبط تدفق المهاجرين حتى الآن وضمان توزيعهم على الدول الأعضاء الـ28، قررت النمسا في 19 فبراير/شباط فرض حصص يومية على عدد الوافدين إلى أراضيها، حددتها بـ80 طالب لجوء و3200 يعبرون في طريقهم إلى دول أخرى. وهذا الإعلان الذي دفع بدول أخرى في البلقان تواجه هذه الأزمة إلى فرض قيود إضافية على الحدود، انتقده بشدة الاتحاد الأوروبي الذي يحذر من مخاطر “أزمة إنسانية”.
واحتجت أثينا التي عليها أن تواجه بشكل طارئ أزمة آلاف الأشخاص الوافدين من تركيا، وكان يسمح لهم حتى الآن بمواصلة رحلتهم إلى أوروبا، على عدم وجود تنسيق في سياسة الهجرة الأوروبية لدى فيينا والاتحاد الأوروبي.
ولا يزال هناك حوالي أربعة آلاف مهاجر عالقين مساء الثلاثاء، على حدود إيدوميني في مقدونيا التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، بعد قرار سكوبيي الأحد منع مرور المهاجرين الأفغان وتشديد شروط دخول السوريين والعراقيين الذين طلب منهم إبراز بطاقات هوية، بالإضافة إلى تصريح المرور الذي يمنح لهم في مراكز التسجيل. وقال مصدر حكومي مقدوني إن الفرز يتم على أساس “المعايير التي ترفضها دول الوجهة النهائية”. وفي هذا الإطار، وصف الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، موقف الدول الأوروبية في مواجهة أزمة المهاجرين الفارين من الحرب في الشرق الأوسط بأنه “مخز”.
وقالت المنظمة في تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان في العالم، إن “الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكثر من 500 مليون نسمة ويشكل الكيان السياسي الأغنى في العالم، أظهر عجزا عن تقديم رد متماسك وإنساني ويحترم حقوق الإنسان، وإن ألمانيا وحدها من أبدت رغبة سياسية ترقى إلى حجم المشكلة”. وقالت إن “غالبية القادة الأوروبيين فضلوا الاستماع إلى الخطاب المناهض للمهاجرين الذي يركز على الخوف وانعدام الأمان وخسارة السيادة الوطنية، والنتيجة: الإجراءات الوحيدة التي تمكنوا من الاتفاق عليها هي تلك التي تهدف إلى تعزيز الحصن الأوروبي”.
غير أن الموقف الألماني لم يحل دون تصاعد مخاوف ولاية ساكسونيا التي تمثل واحدة من قصص النجاح الاقتصادي في شرق ألمانيا، من أن تلطخ ردود الفعل العنصرية المناهضة للاجئين صورتها وتردع الاستثمارات التي حولتها إلى مركز للتكنولوجيا المتقدمة. وتعد درسدن عاصمة الولاية مهد حركة بيغيدا المعادية للعرب والإسلام، كما اشتهرت مدينة هايدناو في الصيف الماضي عندما تفجرت فيها أعمال شغب معادية للاجئين، وأزعج نشطاء من اليمين المتطرف المستشارة أنجيلا ميركل بوابل من الأسئلة ووصفوها بالخائنة لترحيبها بالمهاجرين. كما أن سلسلة من الحوادث الأخيرة عمقت المخاوف بين الشركات والساسة وصناعة السياحة في ساكسونيا من أن تدفع الولاية قريبا ثمنا اقتصاديا لنوبات رهاب الأجانب. وقال هاينز مارتن أيسر، رئيس رابطة “سيليكون ساكسونيا”، والتي تمثل 300 شركة للتكنولوجيا المتقدمة في أوروبا إن “العناوين التي تنهال علينا كمواطنين ورجال أعمال كل يوم توضح أن لدينا مشكلة في صناعة التكنولوجيا المتقدمة ولدينا موظفون من دول عديدة يلعبون دورا ضخما في مجتمعنا الاقتصادي”.
وفي الأسبوع الماضي أظهر مقطع فيديو نشر على الإنترنت مجموعة من حوالي 100 محتج يرددون هتافات يمينية في مدينة كلوسنيتز الواقعة في الولاية، وهم يحاصرون حافلة تمتلئ بأسر اللاجئين لمنعهم من دخول مأوى مؤقت. وشوهد أطفال في الحافلة وهم يبكون من الخوف، كما شوهد رجال الشرطة وهم يعاملون المهاجرين بخشونة ويدفعونهم من الحافلة دفعا. وجاء هذا الحادث الذي نددت به ميركل في أعقاب اعتداء أشعلت فيه النار عمدا في فندق سابق بمدينة باوتسن، وكان من المقرر استخدامه كمأوى للمهاجرين، وكان سكان المنطقة يصفقون ويهللون أثناء احتراق الفندق، بل وحاول البعض تعطيل رجال الإطفاء. وقال متحدث باسم انفينيون التي توظف على المستوى العالمي أجانب أكثر مما توظف من الألمان “بالنسبة لنا من المهم أن يكون لولاية ساكسونيا ومدينة درسدن سمعة الانفتاح على العالم والتسامح- مدينة يشعر فيها الأجانب من زبائننا وشركائنا وعاملينا بالارتياح”. و قالت جماعة “ماركتينج درسدن” التي تروج للسياحة في المدينة المشهورة بكاتدرائيتها المهيبة المطلة على نهر إلبه، إن عدد الزائرين انخفض في العام الماضي ثلاثة في المائة مسجلا أول انخفاض منذ عام 2008. وكان من العوامل الرئيسية وراء هذا الانخفاض تراجع عدد الزائرين من داخل ألمانيا إذ أبعدتهم الاحتجاجات المناهضة للإسلام. وقالت بتينا بونجه رئيسة ماركتينج درسدن “الضرر الذي لحق بصورة مدينتنا بسبب شعارات الخوف من الأجانب في احتجاجات جماعة بيغيدا كان له أثر سلبي على السياحة”. وقالت الشرطة الاتحادية الألمانية يوم الثلاثاء، إن 151 جريمة ارتكبت في العام الحالي في ألمانيا ضد مراكز اللاجئين، من بينها 25 اعتداء بإشعال الحرائق، وفي العام الماضي كان عدد الاعتداءات الإجمالي 1029 اعتداء[24].
وظهر أسلوب جديد في التفكير يجب أن ينتهجه القادة الأوروبيون حول كيفية الترويج للاستجابات بعيدة الأمد لأزمة اللاجئين السوريين بطريقة تحمي كرامة الإنسان وتدعمها وتأتي بحلول أكثر استدامة وفائدة للدول المستقبلة للاجئين في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
يفخر الاتحاد الأوروبي بأنه منارة إقليميَّة، لكنّ الشلل الذي يعتريه إزاء مسألة منظومة اللجوء المشتركة قد يمثل أكبر إخفاق له في تاريخ مسيرته. فحتى هذا العام، وصل أكثر من 800 ألف لاجئ ومهاجر إلى القارة الأوروبية عن طريق البحر، وهذا الرقم مؤهل للارتفاع إلى مليون شخص مع بداية عام 2016، ومع أنَّ الاتحاد الأوروبي بذل جهودًا كبيرة في الاستجابة للوضع القائم بفعالية، لكن ما زالت لديه الفرصة، مهما بدت الأرقام هائلة، في ممارسة قدرة أكبر على إدارة الأزمة إدارة فعَّالة بطريقة تحمي أمن وسلامة الفارين من النِّزاع والاضطهاد وتدعم كرامتهم الإنسانية شريطة تعامله مع الوضع بطريقة استباقية ووضع الآليات اللازمة لتَشارُك المسؤولية الجماعية عبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة. ويبهت الوضع الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي مقارنةً بأعباء الدول المضيفة خاصة تلك المجاورة لسوريا حيث تفوق أعداد اللجوء فيها حتى أكبر الحصص التي تتيحها كل دولة أوروبية للاجئين بناءً على نظام التشارك الذي تتبناه، ومع ذلك ما زالت أوروبا مشغولة بالخلافات القائمة بين الدول الأعضاء حول مسألتي استقبال اللاجئين وإغلاق الحدود. وبين عامي 2007 و2013 خصص الاتحاد الأوروبي قرابة ملياري يورو لتعزيز أمن حدوده الخارجية، وصرف مبالغ هائلة على مبادرات الهجرة مثل مراكز الاستقبال والاحتجاز في البلدان خارج الاتحاد الأوروبي كإجراء استباقي للتعامل مع حالات المهاجرين قبل توافدهم. وبالمقابل، لم يُستَخدَم من ذلك المبلغ أكثر من 17% منه (700 مليون يورو) في المدة ذاتها في جانبي إعادة توطين اللاجئين ودمجهم، لكنَّ مجرد إيصاد الأبواب في وجه المهاجرين لن يعني خفض أعداد اللاجئين المرتحلين إلى أوروبا، وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن ينتهج السياسات الأكثر فعالية فعليه أن يركَّز على الأسباب المحورية التي تجعل من شواطئه مقصدًا للمهاجرين، ثم عليه بعد ذلك معالجة تلك الأسباب في بلدان اللجوء المجاورة لسوريا. لا بد من وضع استراتيجيات للانتقال إلى مدى أبعد من النماذج السائدة في تقديم المساعدات للاجئين ولابد من التوجه نحو النوع من المساعدات الذي يشجع الاستقلال الذاتي للاجئين واكتفائهم. وبهذا الخصوص، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمثّل دورًا في دفع السياسة الدولية نحو متطلبات القرن الواحد والعشرين، فبقيادة المفوضية الأوروبية، يمكن بناء شراكات جديدة بين المانحين الدوليين واللاجئين والدول المضيفة والقطاع الخاص، وفي هذا الصدد، أجرى معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا أبحاثًا معمقة حول طبيعة تلك العلاقات الجديدة وما يجب أن تكون عليه بالاقتداء بالأردن كنموذج يحتذى به ويحمل فرصًا كبيرة للنجاح.
وباختصار، يمكن تبني سياسات أكثر عقلانية على مستوى الاتحاد وتحويل الإنفاق على الأمن المادي (كتعزيز الحدود على سبيل المثال) إلى دعم السياسات الإبداعية والأكثر استدامة من أشكال المساعدات المقدمة للاجئين للدول المضيفة في المنطقة المحيطة، ومن أنجع تدابير السياسات تشجيع الاستثمار واسع النطاق في قطاعات الصناعة والصناعة التحويلية في الدولة المضيفة لما ينطوي على ذلك من فتح مجال العمل للاجئين ولأبناء المجتمعات المضيفة وفقًا لمعدَّلات تناسبية متَّفق عليها مسبَّقًا، ما يعود بالمنافع الواضحة على كلا المجتمعين، وسيتطلب ذلك دعمًا من الاتحاد الأوروبي يتجاوز مجرد تقديم المساعدات المالية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الامتيازات التجارية والإعفاءات الضريبية كحوافز لجلب الاستثمار من شركات التصنيع الحالية ضمن البلد المضيف، ولن تكون هذه المبادرات متعارضة مع حصص الهجرة المعلنة ولن تعني الاستغناء عن الإغاثة الطارئة، بل على العكس ستكون متممة ومكملة لها.
ولكي ينجح هذا النموذج، لا بد من عقد اتفاقات الشراكة بين الدول المضيفة في الإقليم والاتحاد الأوروبي. وعلى ضوء تلك الاتفاقات، سوف ينشأ الإطار القانوني اللازم لتسهيل عملية تدفقات رأس المال ويحمي جميع أطراف المعنية بغية الحد من المخاطر، ولا يقل أهمية عن ذلك ضرورة إعادة النظر في الشرط الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي بشأن قواعد الأصل للسماح للعمال اللاجئين دخول سوق الإنتاج وللسماح بدخول صادراتهم إلى الأسواق الأوروبية. وفي حين أنَّ قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الأصل قواعد عالمية راسخة منذ أمد بعيد، يمكن إحداث هذا التنازل على مستوى العلاقات الثنائية مع الدول المضيفة مع وجود ظروف أخرى تضمن جودة المنتج النهائي. ومن أمثلة ذلك إبرام اتفاقية حول تقييم مطابقة المنتجات الصناعية وقبولها لأن تلك الاتفاقيات ستمكّن من دخول منتجات اللاجئين السوريين إلى سوق الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى ضوابط فنية إضافية، وسوف يمثل هذا النوع من الشراكة التزامًا من الاتحاد الأوروبي في انتهاج الحلول الأكثر استدامةً للتحديات التي تفرضها أزمات اللاجئين وستكون الخطوة الأولى في طريق التصدي لمشكلة إخفاقات السياسات إزاء التدفق الحالي للاجئين نحو أوروبا. وسوف يتوافق هذا النوع من المبادرات مع الحتميات المحددة في الإصدار الأخير من المفوضية الأوروبية بعنوان عناصر تكوين استراتيجية إقليمية للاتحاد الأوروبي بشأن سوريا والعراق وخطر داعش. ففي هذه الوثيقة، توضِّح المفوضية ضرورة انتهاج استراتيجيات “تعتني بالحاجات الإنمائية للمهجَّرين على المدى البعيد” و”تعزز قدرات النمو والصمود لكل من سوريا والعراق وبقية البلدان المجاورة المتأثرة”.
بلغ عدد المهاجرين غير الشّرعيين إلى دول الاتّحاد الأوروبّي خلال العام 2015 حوالي 1.8 مليون مهاجر، وأمام هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين، انقسمت الآراء في دول الاتّحاد الأوروبّي ما بين أفكار الأحزاب اليساريّة الدّاعمة للهجرة والمتسلّحة بالمبادئ الإنسانيّة وقيم الحرّيّة والمساواة والحق في التّعبير والعيش الكريم، التي قام عليها الاتّحاد الأوروبي أساسًا، وباتّفاقيات حقوق الإنسان والطّفل واللّاجئ، وما بين أفكار الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة والحركات المناهضة للهجرة والّتي لا تَرى من المهاجرين الجانب الإنساني، بل تراهم على شكل تهديدات أمنيّة واقتصاديّة وديموغرافيّة، وقد عادت هذه الأحزاب مؤخّرًا إلى المشهد السياسي الأوروبّي بعد تفاقم أزمة المهاجرين. وقد استفادت أوروبا على مرّ السّنين من الهجرة الشرعية لمواجهة التّحدّيات الدّيموغرافيّة، إذ إنَّ لهذا النّوع من الهجرة فوائد وآثارًا إيجابيّة على الدّولة المستقبلة للمهاجرين، لكنّ الأوضاع اختلفت مع بروز الهجرة غير الشرعية، فالأعداد الهائلة غير المسبوقة من طالبي اللجوء وضعت علامات استفهام عديدة حول منافع هذا النوع من الهجرة.
تمحورت أغلبية الدراسات التي تناولت الآثار الاقتصادية للهجرة حول الهجرة الشرعية التي غالبًا ما يشكل طالبو اللجوء جزءًا يسيرًا منها. لكن، قليلة هي الدّراسات الّتي ركّزت على الآثار الاقتصاديّة النّاتجة عن زيادة مفاجئة وكبيرة في أعداد طالبي اللجوء بسبب الهجرة غير الشرعية، وذلك لصعوبات عديدة أبرزها صعوبة تقدير أعداد المهاجرين، فتأثير هذا النّوع من الهجرة يختلف جزئيًّا عن تأثير الهجرة الشرعية. إن الآثار الديموغرافية للهجرة الشرعية غالبًا ما تكون مدروسة بحيث لا تشكل تهديدًا لهوية البلد المستقبل، أما الهجرة غير الشرعية فمن الصّعب التحكم بنتائجها على الصعيد الديموغرافي. هذا ما دفع بالأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية، إلى اعتبار أن المهاجرين قنبلة موقوتة ستغير وجه أوروبا على المدى القريب.
وقد يضاف إلى الخطر الديموغرافي للهجرة غير الشرعية، من وجهة نظر الأحزاب اليمينية المتطرّفة، الخطر الأمنيّ المباشر على استقرار أوروبا، إذ إن هذه الأحزاب تعتبر هذا النّوع من الهجرة الوسيلة التي يتسلل بواسطتها الإرهابيون إلى الدّاخل الأوروبّي والدّليل على ذلك تكاثر الأحداث المرتبطة بالإرهاب في أوروبا بخاصةٍ في العامين 2015 و2016. تستثمر الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة الذّريعة الدّيموغرافيّة والأمنيّة لكسب التأييد الشعبي، وهي تحقق تقدمًا مستمرًّا في أنواع شتّى من الانتخابات، وباتت قاب قوسين من الوصول إلى السّلطة، وأصبحت قادرة على الضغط بفاعليّة باتّجاه إلغاء اتّفاقيّة “شينغن” الّتي تعتبرها سبب تنقّل الإرهابيين بحرية في الدّاخل الأوروبي. تهدف هذه الدّراسة إلى إلقاء الضوء على تداعيات الهجرة غير الشرعية من حوض البحر المتوسّط وأبعادها وخصوصًا الأمنيّة والاقتصاديّة والديموغرافية والسياسية، وإمكانية أن تؤدي هذه الهجرة إلى تهديد الوحدة الأوروبيّة وإلغاء اتّفاقيّة “شينغن” وإعادة العمل في المعابر الحدوديّة بين أعضاء الاتّحاد الأوروبي.
- التّداعيات الاقتصاديّة:
إنَّ لتدفّق الأعداد الكبيرة من المهاجرين بصورة غير شرعية تداعيات على المدى القصير على اقتصاد دول الاتّحاد الأوروبي، ناتجة عن أعباء استقبال هؤلاء أو ترحيلهم. وفي المقابل، آثار إيجابية على المدى الطويل بخاصةٍ أنها الحل لمشكلة الشيخوخة التي تشكل إحدى المشاكل الدّيموغرافيّة الّتي تعانيها أوروبا وتؤدي إلى انخفاض هائل في اليد العاملة.
١- تداعيات فورة اللاجئين غير الشرعيين:
تترتّب على الهجرة غير الشرعية أعباء على المالية العامة، إضافة إلى أنها تؤدي إلى إدخال أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أسواق العمل خلال فترة زمنيّة قصيرة، ما دفع بالاتّحاد الأوروبي إلى تخصيص اعتمادات مالية بهدف السّيطرة على تدفُّق المهاجرين.
أ- الأعباء على المالية العامة
تضيف الهجرة غير الشرعية على المدى القصير ضغوطات على اقتصاد بعض الدول الأوروبية، فهي تستلزم أعباء على الماليّة العامة نتيجة تكاليف استقبال وإيواء أو ترحيل المهاجرين، وتعتبر هذه التكاليف ضئيلة بالنسبة إلى حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي واقتصاد الدول الّتي تستقبلهم. أما على صعيد سوق العمل، فتأثير الهجرة على الدول المستقبلة للمهاجرين محدود، باستثناء البعض منها الّذي يعاني أصلًا ارتفاعًا في معدل البطالة. تختلف الأرقام بحسب الدراسات حول تكلفة تدفق المهاجرين غير الشرعيين على المالية العامة، و تتفق هذه الدراسات على أن هذه التكلفة ضئيلة بالنسبة إلى حجم اقتصاد الدول التي تستقبلهم. وتشمَل الكلفة المصاريف الأوَّليّة لتأمين الاحتياجات الإنسانية لطالبي اللجوء، والمصاريف اللاحقة المترتبة جراء دمجهم في سوق العمل أو إعادة المرفوضين منهم إلى بلادهم. تتضمّن المصاريف الأولية تأمين المأكل، والمأوى، وكلفة المدارس، وتعلم اللغة، والمساعدات المالية الشهرية التي تبدأ من 10 يورو للشّخص الواحد الذي يسكن في مراكز الاستقبال وتصل إلى أكثر من 300 يورو للذين يتم إيواؤهم في منازل. وتتراوح الكلفة الإجمالية للمصاريف الأولية خلال السنة الأولى ما بين 8 و12 ألف يورو لكل طالب لجوء. تنتج المصاريف اللاحقة عن الكلفة اللازمة لتبيان مهارات اللاجئين للتمكن وبأسرع وقت من دمجهم في سوق العمل وتوجيههم إلى المجالات والمواقع التي تحتاج إليهم فيها. كما يضاف إلى هذه المصاريف كلفة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، فمنذ العام 2000 وحتى اليوم، أَنفق الاتحاد الأوروبي حوالي 11.8 مليار يورو على عمليات الترحيل، بمعدل 4000 يورو لكل طالب لجوء مرفوض.
إن بعض الإحصاءات تظهر كلفة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في بعض الدول التي تعد الأكثر استقبالًا للمهاجرين. إذ تتوقع ألمانيا زيادة 0.5% على النّاتج المحلي الإجمالي سنويًّا في العامين 2016 و2017، في حين أن في النمسا ارتفعت كلفة المهاجرين من 0.1% من النّاتج المحلّي في العام 2014 إلى 0.15% في العام 2015 ومن المتوقع أن ترتفع إلى 0.3% في العام 2016. أمّا السويد، فقد زادت من ميزانية الإنفاق على الهجرة في العام 2016 لتصبح 0.9% من النّاتج المحلّي من أجل تحسين أنظمة دمج المهاجرين. وفي هذه الحال، تكون الأعباء على المالية العامّة مرتفعة نسبيًّا على المدى القصير، لكنّها تنخفض في حال السّماح لطالبي اللجوء بدخول سوق العمل، أو التّسريع في البتّ بطلباتهم وإعطائهم صفة لاجئ ثم إدخالهم في سوق العمل، وبالتّالي البدء بدفع الضرائب والمساهمة في المالية العامّة.
ب- التّأثير على سوق العمل
تختلف الفترة القانونيّة الّتي لا يُسمح خلالها لطالب لجوء لا يزال ينتظر الموافقة على طلبه، أي لم يحصل بعد على صفة لاجئ، بدخول سوق العمل من دولة إلى أخرى، كما يسمح لطالب اللجوء في اليونان، والنرويج، والسويد بدخول سوق العمل بمجرّد تقديم طلب اللجوء، أمّا في النّمسا وألمانيا فهذه الفترة محدّدة بثلاثة أشهر، ترتفع إلى ستّة أشهر في إيطاليا وإسبانيا، وإلى تسعة أشهر في فرنسا، أما أقصاها ففي بريطانيا وتشيكيا حيث تبلغ هذه الفترة سنة كاملة. أجرت “منظمة التنمية والتّعاون الاقتصادي” دراسة بتاريخ تشرين الأوَّل 2015 حول تأثير فورة اللّاجئين غير الشرعيين على أسواق العمل في الاتّحاد الأوروبي، وقد استندت هذه الدّراسة إلى فرضيّتين:
اعتمدت الفرضيّة الأولى الحد الأدنى من طلبات اللجوء وقدّرتها بـ 1.2 مليون خلال العام 2015، وذلك في المنطقة الاقتصاديّة الأوروبية إضافة إلى سويسرا، منهم 730 ألفًا في ألمانيا، كما قدّرت عدد طلبات اللجوء في الأشهر الستّة الأولى من العام 2016 بـ 610 آلاف في أوروبا منها 370 ألفًا في ألمانيا وحدها. في المقابل، اعتمدت الفرضيّة الثانية الحد الأقصى من طلبات اللجوء وقدّرتها بـ 1.4 مليون خلال العام 2015 في المنطقة الاقتصادية الأوروبية وسويسرا، منهم 900 ألفٍ في ألمانيا. أمّا في الأشهر الستة الأولى من العام 2016، فقدّرتها بـ 1.1 مليون في أوروبا، منهم 900 ألف في ألمانيا. أخذت هذه الدراسة بعين الاعتبار توزيع اللاجئين حسب الجنس وفئات الأعمار، وخلصت إلى أن عدد المهاجرين الذين سيدخلون سوق العمل الأوروبي على أساس الفرضية الأولى، سيبلغ 380 ألف عامل في العام 2016 أي ما يعادل 0.3% من اليد العاملة، حصة ألمانيا منها 290 ألفًا أي 0.7% من سوق العمل الألماني. في المقابل، وباعتماد الفرضية الثانية، ستشكل حالات دخول اللّاجئين سوق العمل الأوروبي 0.4% من سوق العمل أي مليون عامل، منهم 430 ألفًا في ألمانيا أي بنسبة 1% من اليد العاملة الألمانية. وبالتالي، وبحسب الدراسة، فإنَّ تأثير اللاجئين على سوق العمل محدود جدًا ويمكن للدّول الأوروبية استيعابه، لا بل إن بعض الدول، كألمانيا مثلًا، بحاجة إليه.
تخطّى عدد الطلبات التي تم تسجيلها في العام 2015 المليون طلب في ألمانيا وبالتالي فاقت هذه الأرقام توقعات الدّراسة وفرضيّاتها، وبمقارنة الفارق بين عدد طلبات اللجوء بحسب الفرضيّة الأولى والفرضية الثّانية في ألمانيا (170 ألفًا) مع فارق النّسب على سوق العمل الألماني (0.3%)، يمكن القول إنّ التّأثير النّاتج عن الزّيادة غير المتوقّعة بعدد طلبات اللجوء سيبقى تأثيرًا محدودًا. ويمكن لبعض العوامل أن تزيد من حدة تأثير اللاجئين على سوق العمل. العامل الأول هو أنّ الدول التي يتركز فيها تسجيل طلبات اللّاجئين، خاصّة مع وجود اتفاقيّة “دبلين”، تعاني أصلًا ارتفاع معدّل البطالة. ففي تشرين الأوَّل 2015، بلغ معدّل البطالة في اليونان 24.9%، أمّا في إسبانيا فـ 22.3%، وهذه النّسب هي الأعلى في أوروبا. والعامل الثّاني فهو صعوبة إعادة اللّاجئين المرفوضين إلى بلادهم، لعدم جود “اتّفاقيّات إعادة” ما يؤدّي إلى انخراط هؤلاء في أسواق العمل السّريّة. ويحاول الاتّحاد الأوروبي الحد من تدفّق المهاجرين وتأثيراتهم السلبية وقد خصّص لهذه الغاية اعتمادات مالية.
ج- تمويل مكافحة الهجرة.
رصد الاتّحاد الأوروبي اعتمادات ماليّة بقيمة 7 مليار يورو ما بين العامين 2014 و2020 لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية، وقد أَدرج هذه الاعتمادات ضمن موازنته تحت بندين: البند الأوّل هو بند “اللجوء، والهجرة، والدّمج” (Asylum, Migration, and Integration Funds (AMIF، والبند الثّاني هو بند “الأمن الدّاخلي” ((Internal Security Funds (ISF). وبلغت الأموال المخصّصة “للّجوء، والهجرة، والدّمج” 3.1 مليار يورو وتهدف إلى دعم جهود الاتّحاد الأوروبّي لزيادة قدرة استيعاب مراكز استقبال اللّاجئين وتحسين مستوى خدماتها كي تتطابق مع معايير الاتّحاد، إضافة إلى دمج اللّاجئين في المجتمع وفي سوق العمل، وتفعيل برامج التّرحيل لطالبي اللجوء المرفوضين، وقد بلغت حصّة اليونان من هذه الأموال 259.4 مليون يورو، أمّا إيطاليا فحصلت على 315.4 مليون يورو، وفرنسا 286.6 مليون يورو. كما بلغت الأموال المخصّصة لبند “الأمن الداخلي” 3.9 مليار يورو، وقد قسّمت إلى جزأين: الجزء الأوَّل يستخدم لتمويل عمليّات مراقبة الحدود الخارجيّة للاتّحاد، أمّا الجزء الثّاني فمخصّص لتعزيز قدرات الشّرطة وأجهزة الأمن لمكافحة عمليّات الاتجار بالبشر وحماية البنى التّحتيّة الأساسيّة من خطر الإرهاب. وقد حصلت هنغاريا على 61.5 مليون يورو من هذه الأموال بينما حصلت ألمانيا على 134 مليون يورو.
٢- تأثير الهجرة على المدى الطّويل
تشير إحصاءات المفوّضيّة الأوروبية إلى أنَّ معدّل أعمار الشّعوب الأوروبية سوف يرتفع من 39 في العام 2004 إلى 49 في العام 2050، وتصنف سكّان الاتّحاد الأوروبي بحسب فئة الأعمار في العام 2014 على الشّكل الآتي: فئة (صفر إلى 14 سنة) 15.6 % من عدد السّكّان، أمّا فئة اليد العاملة (15 إلى 65) فشكّلت 65.9% وفئة (فوق الـ 65) كانت نسبتها 18.5 %، وبلغ معدّل الأعمار 42.2، أمّا معدّل الإعالة[16]، فوصل إلى 28.1% أي ما يعادل 3.5 شخص من الفئة العاملة لكلّ شخص من فئة فوق الـ 65 ومن المتوقّع أن يرتفع إلى 53% في العام 2050. تشير هذه الأرقام إلى تحوّل البنية السّكانيّة الأوروبية إلى مجتمع هرم، ترتفع فيه نسبة الإعالة ويفرض معضلة ديموغرافيّة تبعاتها خطيرة اقتصاديًّا.
لن تظهر الآثار الإيجابيّة لأزمة اللّاجئين على الاقتصاد الأوروبّي إلّا على المدى الطّويل، إذ إنّها سوف تؤدّي إلى تخفيض نسبة الإعالة، وإن الدّراسات الاقتصاديّة المختلفة ترى أنّ التّأثير السّلبي لهؤلاء المهاجرين لن يستمرّ طويلًا في حال تأمّنت لهم وظائف في أماكن الحاجة إليهم. وهذا ما حدث في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عندما وصل إلى ألمانيا وبريطانيا أعداد ضخمة من الأتراك ومن الأميركيّين من جزر الكارايبي، فشكّلوا رافعة اقتصاديّة لهذين البلدين اللّذين كانا يشكوان من نقص في اليد العاملة غير المتخصّصة في قطاعات البناء والزّراعة.
خلافًا لما يعتقده البعض، تفوق المساهمة الماليّة للمهاجرين النّاتجة عن دفع الضّرائب، في معظم الأحيان، قيمة ما يحصلون عليه من خدمات صحّيّة واجتماعيّة، كما تفوق المساهمة الماليّة للمواطنين الأصليّين. أمّا في الحالات المعاكسة فإنَّ السّبب يعود إلى حصولهم على معاشات أدنى من المواطنين الأصليّين، وإلى ضعف إسهام المرأة في سوق العمل. فالهجرة إلى أوروبا ما بين العامين 2001 و2011 أَدخلت 20 مليار يورو إلى الخزينة الأوروبية، حيث إنَّ المهاجرين دفعوا 64 % ضرائب أكثر ممّا حصلوا عليه من خدمات، ووفّروا خبرات كانت لتكلّف الخزينة 6.8 مليار يورو إضافيّة على ميزانيّة التّعليم. ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديّين أنّ تدفّق هذا العدد من المهاجرين، الذين يشكّل الشّباب النّسبة الأعظم منهم، إلى دول صناعيّة كبرى مثل ألمانيا سوف ينعش اقتصاد هذه الدول وليس العكس، إذ إنّه يمكن استدراك الأعباء على المدى القصير للحصول على المنافع على المدى البعيد. وبالتّالي، وبحسب بعض الخبراء أيضًا، هؤلاء المهاجرون هم نعمة سوق العمل، لكن هل هؤلاء هم أيضًا نعمة ديموغرافيّة أم أنَّهم من وجهة النّظر هذه يتحوّلون إلى نقمة؟
- التّداعيات الدّيموغرافيّة:
إنّ الأثر الدّيموغرافي للهجرة غير الشرعية مرهون بتصرّف المجتمعات الأوروبية الأصليّة. فبقاء معدّل الخصوبة لديهم على ما هو عليه حاليًّا سيؤدّي حتمًا إلى تغيير وجه أوروبا في أواخر القرن الحالي، أمّا إذا تمكّنت هذه المجتمعات من زيادة معدّل الخصوبة لديها، وهو ما تحاول الدُوَل التّشجيع عليه حاليًّا، فإنّه في أكثر الافتراضات موضوعيّة، ومع الأخذ بعين الاعتبار هجرة حوالي مليون شخص سنويًّا إلى أوروبا حتّى العام 2050، ستصبح نسبة المواطنين الأوروبيّين المسلمين نسبة ثابتة تقدّر بحوالي 16% من سكّان الاتّحاد الأوروبّي. كما تواجه أوروبا مشكلة الشّيخوخة كمعضلة ناتجة عن تدنّي “معدّل الخصوبة” في مجتمعاتها، ما يؤدّي إلى تناقص عدد السّكّان، والحلّ السّريع الذي تعتمده بعض الدول الأوروبية لحلّ هذه المعضلة هو استقبال المهاجرين، لكنّ البعض يرى في هذا الحلّ تهديدًا لهويّة أوروبا “المسيحيّة”.
وتجدر الإشارة إلى الآتي:
أ- إنّ معدّل الخصوبة هو في انخفاض عالميًّا، لكن على الرغم من ذلك فهو يبقى في العديد من الدول، بخاصّةٍ الدول النّامية منها، أعلى من 2.1 وهو الحدّ المطلوب لعدم تناقص السّكّان. وفي الدول العربيّة مثلًا، انخفض من 4.1 في العام 2000 إلى 3.1 حاليًّا، أمّا في الولايات المتحدة فسجّل 2.09 في العام 2015. وقد يتدنّى معدّل الخصوبة عن 2.1 في جميع دول الاتّحاد الأوروبي، فلقد انخفض هذا المعدّل من 2.66 في بداية السّتينات من القرن الماضي إلى 1.55 حاليًّا. أما أدنى نسبة سجّلت في البرتغال (1.21) بالمقابل أعلى نسبة سجّلت في فرنسا (1.99)، وفي ألمانيا فبلغت 1.39 وفي بريطانيا 1.83. بالتّالي، فإنّ عدد سكّان أوروبا في انخفاض، وهو حاليًّا 506 مليون ومن المتوقّع أن ينخفض 11% بحلول العام 2050 في حال عدم إيجاد حلول.
ب- هناك عاملان يساعدان على النّموّ السّكاني هما “النّموّ الطّبيعي للسّكّان” والهجرة. تحاول أوروبا تحفيز النّموّ الطّبيعي بإكثار الولادات عبر إجازات الأمومة الطّويلة والمساعدات الماليّة بحسب عدد الأولاد. لكنَّ هذا الإجراء، وفي حال نجاحه، لن تَظهر نتائجه سوى على المدى البعيد. أمّا على المدى القريب، فالهجرة هي أسرع الحلول، فبحسب المفوّضيّة الأوروبية تحتاج أوروبا إلى 1.5 مليون مهاجر سنويًّا حتّى العام 2050 لسدّ النّقص المتوقّع حصوله في عدد السكّان. إنّ غالبيّة المهاجرين غير الشرعيين الّذين يصلون إلى أوروبا هم من المسلمين، ممّا يدفع الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة إلى مناهضة الهجرة خوفًا على الهويّة المسيحيّة لأوروبا. وفي دراسة أعدّتها الباحثة KarolyLorant حول تأثير الهجرة غير الشرعية على ديموغرافيّة أوروبا، وتحديدًا على أعداد المسلمين، تبيّن ما يأتي:
-معدّل الخصوبة للأوروبيّين المسيحيّين هو حوالي 1.55، في المقابل هو 2.7 لدى المسلمين المقيمين في أوروبا وللمهاجرين غير الشرعيين. وبالتّالي فإنَّ عدد سكّان أوروبا لن يتغيّر بحلول العام 2050، إذ إنَّه من المتوقّع أن يزيد نحو 4 ملايين إنَّما هذه الزيادة ستكون حصيلة انخفاض 71 مليون من المسيحيّين، وازدياد حوالي 75 مليون من المسلمين، عندها سيشكّل المسلمون حوالي 20% من سكّان أوروبا مقابل 6% حاليًّا إذا استمرّت هذه الأنماط، فمعدّل الخصوبة مرتفع لدى المسلمين وأعداد مرتفعة من الهجرة إلى نهاية القرن ، وهذا كفيل بأن يجعل عدد المسيحيّين ينخفض إلى 10 % من إجمالي عدد سكّان أوروبا.
-لا يمكن غضّ النّظر عن السّيناريو السّابق تمامًا، لكنه يفتقد إلى بعض الواقعيّة، فمعدّل الخصوبة ينخفض في جميع أنحاء العالم كافّة، حتّى في البلدان ذات الأغلبيّة المسلمة، وبالتّالي فمن الواقعيّ القول إنّ معدّل الخصوبة لدى المسلمين في أوروبا سينخفض إلى 2.1% (المعدّل الّذي يعطي ثباتًا في عدد السكّان)، إضافةً إلى أنّه وفق تقدير الأمم المتّحدة، فإنّ ظاهرة الهجرة ستنحسر بشكل كبير بحلول العام 2050، في هذه الحالة، آخذين بعين الاعتبار هجرة 1.2 مليون نسمة سنويًّا حتّى العام 2050، فإنّ عدد المسلمين في أوروبا سيثبت على 80 مليون. أمّا المسيحيّون، فسيتناقصون بنسبة 1% سنويًّا، إلّا إذا تمكّنوا من تحقيق معدّل خصوبة 2.1، عندها سيشكّل المسلمون نسبة ثابتة تقدر بـ 16% من سكّان أوروبا.
ج-يشكّل المهاجرون حاجة اقتصاديّة للدول الأوروبية لا يمكن للمناهضين للهجرة إنكارها، لكنّ الآراء تختلف حول المهاجرين من وجهة النّظر الدّيموغرافيّة حيث يرى البعض أنّهم قنبلة ديموغرافيّة ستغيّر الهويّة المسيحيّة لأوروبا، فيما البعض الآخر يرى أنّهم حاجة ديموغرافيّة في وجه تناقص السكّان والشّيخوخة الأوروبية، كما ينسحب اختلاف الرأيّ هذا على وجهة النّظر الأمنية.
- التداعيات الأمنية والسياسية:
* الإرهاب في أوروبا: لا يهدد الإرهاب أوروبا بل العالم كله ، والحوادث الإرهابية الّتي وقعت مؤخرًا في أوروبا ليست نتيجة تسلّل الإرهابيين مع المهاجرين غير الشرعيين كما هو شائع، إذ تبين أن غالبيّة الإرهابيّين هم من المواطنين الأوروبيين من الأجيال المتعاقبة لمهاجرين شرعيّين، فالمشكلة إذًا هي في عدم اندماج المهاجرين الشرعيين في المجتمعات الأوروبية. وقد تعرّضت الولايات المتّحدة الأميركيّة في 11 أيلول 2001 لهجمات إرهابية راح ضحيّتها حوالي 3000 شخص. بدورها، بدءًا من العام 2004، تعرضت بعض الدول الأوروبية لهجمات إرهابيّة، وقد سجّل العام 2015 أعلى نسبة منها، وتزامنت هذه الهجمات مع تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى أوروبا. وتعرّضت أوروبا لأوّل عمليّة إرهابيّة في 11 آذار 2004، حين تمّ تفجير أربع قطارات في مدريد عاصمة إسبانيا، ما أدّى إلى مقتل 191 شخصًا، وقد اتّهمت إسبانيا آنذاك تنظيم القاعدة بالحادث. وكانت العاصمة الفرنسيّة باريس مسرحًا لهجمتين إرهابيّتين في العام 2015 أدّتا إلى مقتل 140 شخصًا، الأولى في كانون الثّاني على صحيفة تشارلي إيبدو، والثّانية في تشرين الثّاني حين هاجم ستة إرهابيين مواقع عديدة في العاصمة في توقيت واحد. في العام 2016، تعرّضت مدينة “نيس” إلى عمل إرهابي وقع ضحيّته 84 شخصًا، تبعته حادثة ذبح الكاهن جاك هامل داخل كنيسة في النورماندي، وقد أعلن تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام (داعش) مسؤوليّته عن هذه الهجمات.
كما أنّ بريطانيا لم تسلم أيضًا من الإرهاب، ففي كانون الأوَّل 2015، قام رجل بطعن ثلاثة أشخاص في قطار الأنفاق في لندن، وقد صنّفت الشّرطة هذه العمليّة على أنّها إرهابيّة، وقطار الأنفاق أيضًا كان مسرحًا لأربع هجمات منسّقة نفّذها أربعة انتحاريّين في العام2005، ما أدّى إلى مقتل 52 شخصًا، وقد تبيّن آنذاك أنَّ المنفّذين متعاطفون مع تنظيم القاعدة. وبحسب رئيس الوزراء البريطاني فإنَّه خلال العام 2015 تمّ إحباط ست محاولات إرهابيّة استهدفت إحداها الملكة إليزابيث. وفي الدّانمارك في شباط 2015، قام رجل بإطلاق النّار في معرض لحرّيّة التّعبير في كوبنهاغن، أدّى إلى مقتل شخص وجرح ثلاثة عناصر من الشّرطة، ثمّ هاجم كنيسًا يهوديًا وقتل شخصًا وجرح شرطيّين.كما أنّ ألمانيا قد نالت حصّتها من الهجمات الإرهابية في العام 2016. الهجوم الأول نفّذه مهاجر أفغاني، حين قام بطعن خمسة أشخاص على متن قطار، أمّا الهجوم الثاني فتمثّل بقيام مهاجر سوري بتفجير نفسه في مدينة Ansbach ما أدى إلى جرح 12 شخصًا.
الخلاصة
مع أنَّ بقعة الضوء ستبقى مسلطة على أوروبا لحين من الزمن، إلا أنه ما زال كثير من الاهتمام المبذول لأزمة اللاجئين على الحدود الأوروبية يركِّز على المسائل المتعلقة بإعادة الانتقال وتعزيز الحدود بالإضافة إلى التركيز على الجوانب الإجرائية لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي. لكنَّ تلك المجالات، رغم أهميتها، لا تمثّل النواحي الرئيسية التي يجب على أوروبا أن تتصدى لها للتعامل مع الأزمة الحالية تعاملًا فعالًا، فلا بد من أن تبدأ أنواع جديدة من الشراكة مع الدول المضيفة فيما يسمى “بمنطقة إنتاج اللاجئين” للتعامل مع مختلف الظواهر كالعِوَل على المساعدات وإرهاق الدول المضيفة وتوجيه سياسة اللاجئين الدولية إلى مبادرات أكثر استدامة وأكثر فائدة لجميع الأطراف. وهذه الفرصة الأفضل المتاحة لأوروبا للحد من عدد اللاجئين الواصلين إلى الشواطئ الأوروبية ومن حجم الوفيات التي تقع بين هؤلاء أثناء رحلتهم لذلك المقصد. بل تمثل هذه الفرصة انتقالًا نحو سياسات دولية للاجئين توفر الفرص لمجتمعَي المضيفين واللاجئين على حد سواء دون المساس بالكرامة الإنسانية[25].
نشهد اليوم هجرة غير شرعيّة غير مسبوقة ليس بأعدادها فحسب إنّما بأهمّيّتها أيضًا، إذ إنَّها عاملٌ أساسيٌّ في تطوّر الأحداث في الشّرق الأوسط وأوروبا. إذا أردنا توصيف ما يجري حاليًّا في هاتين المنطقتين فأفضل عبارة قد تكون “انقلاب السّحر على السّاحر”، فالثّورات العربيّة الّتي انطلقت باسم حقوق الإنسان وبتشجيع من دول عديدة منها الدول الأوروبية، وبسبب ظاهرة الهجرة غير الشرعية، جعلت أوروبا، وباسم حقوق الإنسان نفسها، مطالبة باستقبال المهاجرين الّذين أنتجتهم هذه الثّورات.
أصبحت الهجرة غير الشرعية حبل خلاص ما بين الشّرق الأوسط وأوروبا، فعدم الاستقرار في الشّرق الأوسط سيؤدي حتمًا إلى عدم الاستقرار في أوروبا، ومن يدري فقد تكون هجرة منظّمة هادفة إلى خلق هذا الرّابط! أوروبا اليوم بحاجة إلى إعادة “الاتّحاد” إلى دولها، وبحاجة إلى قرارٍ جريء بولادة قيصريّة وذلك بإظهار الحزم في المتوسّط وعلى حدودها البرّيّة لمنع تدفّق المهاجرين، في مقابل تأمينها بدائل لهؤلاء المهاجرين تكون تحت سيطرتها، وإلّا فالحرب ستشتعل في داخلها لا محالة، إنَّما يبقى السّؤال متى[26].
المطلب الثاني: تأثير أزمة اللاجئين على الدول المجاورة لدول الهجرة واللجوء
يعتزم البنك الدولي منح المزيد من القروض للدول المجاورة لسوريا، التي تستقبل ملايين اللاجئين الهاربين من الحرب الأهلية، ويريد البنك منح القروض إلى لبنان والأردن، مع التزام الدول الغنية، بما فيها دول الخليج، بتغطية جزء على الأقل من فوائد القروض.
ويعد الأردن ولبنان من الدول متوسطة الدخل، فلا تسمح لهما قوانين البنك الدولي بالحصول على مساعدات أو قروض بفوائد قليلة، وتتحمل الدولتان، رفقة تركيا، العبء المالي الأكبر في أزمة اللاجئين، إذ يشكل اللاجئون 30 في المئة من عدد سكان لبنان و20 في المئة من سكان الأردن، كما تستقبل تركيا أكبر عدد من اللاجئين، ولكن العبء المالي أثقل على لبنان بالنظر إلى اقتصاده الصغير.
وقال مصدر في البنك الدولي إن الفكرة لقيت استحسانا لدى العديد من الدول المانحة المحتملة، وتوقع أن يتم صرف الأموال في غضون أربعة أو خمسة أشهر، وتهدف القروض إلى مساعدة لبنان والأردن على تحمل ارتفاع نفقات التعليم والرعاية الصحية، والماء والكهرباء، يقول كبير مستشاري رئيس البنك الدولي، كولن بروس، في مؤتمر بجنيف إننا “نعترف بأن هذه الدول تتحمل أعباء لاستقبال اللاجئين، ولابد من تعويضها على ذلك”، ويضيف: “نحن مستعدون للتباحث مع المساهمين بشأن كيفية دفع التعويض لهذه الدول، خاصة ذات الدخل المتوسط منها، وهو ما يجري حاليا”، ويقول إن البنك يعتقد أن اللاجئين والمهاجرين يمكن أن يؤدوا دورًا إيجابيًا في تنمية الاقتصاد على المدى الطويل، ويسعى إلى إرشاد الحكومات إلى السياسات التي تجعلها تستفيد من النازحين[27].
- لبنان
تأتى لبنان بعد تركيا من حيث عداد اللاجئين السوريين الذين تم استقبالهم، ويعد العامل الديمغرافي الخطر الأكبر في مسألة تدفق اللاجئين السوريين على لبنان، إذ إن الأغلبية الكبيرة من اللاجئين السوريين ينتمون إلى المسلمين السنة، وقد أدى تدفق ما يقرب من 1.2 مليون لاجئ بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو 1.8 مليون نسمة بحسب مصادر حكومية لبنانية إلى إلحاق ضرر بالغ بالتوازن الطائفي شديد الحساسية في لبنان والقائم بين السنة والشيعة والمسيحيين، ويوجد حوالي نصف هذا العدد الآن في المناطق الأكثر فقرا في البلاد مثل شمال لبنان ووادي البقاع، وهي الأماكن التي لا تزال تشهد توترات كبيرة بين السنة والشيعة، أما النسبة المتبقية فهي متفرقة في شتى أنحاء جبل لبنان والجنوب وهي المنطقة التي تشكل الأساس الديموغرافي للشيعة اللبنانيين.
وبجانب هذا العامل الذي يمثل هاجسا للقوى الاجتماعية اللبنانية في الداخل، يبرز العامل الاقتصادي، الذي لا يتأثر فقط بتدفق اللاجئين السوريين، بل بحالة الجمود التي تهيمن على النشاط الاقتصادي برمته في ضوء ارتباط الاقتصاد اللبناني بدرجة كبيرة بالوضع في سوريا، فهذا العدد الكبير من اللاجئين أدى لتأثيرات سلبية على سوق العمل، الذي ازدحم بالأيدي العاملة الرخيصة والماهرة، مما أدى لخفض كبير في الأجور، ومن ثم تدنى مستوى معيشة اللبنانيين، وبحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، يتجه السوريون لشراء العقارات ويفتحون شركات ناهيك عن انتقال رؤوس أموال إلى لبنان، ومن ثم التأثير على مجمل الأنشطة الاقتصادية، ووفقا لوزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، تم إقامة ما يقرب من 400 شركة غير مرخصة مملوكة لسوريين في سبع بلدات منذ منتصف عام 2013، وبحلول نهاية العام، أفادت التقارير أن عدد الشركات قد بلغ ألف شركة. وتفهم أبعاد الأزمة في ضوء ارتفاع معدل البطالة بواقع 13% عام 2013، ويرجح أن تصل إلى 20% ، فيما تصل البطالة بين الشباب تحديدا إلى 35%.
وإلى جوار ذلك تضغط تلك الأعداد الكبيرة على البينة التحتية الضعيفة بالأساس، وتمثل بدورها عبئًا ماديا ضخما على الحكومة، التي تعاني من عجز في الموازنة العامة قدر بـ 4 مليارات دولار في عام 2013، فضلا عن أنها تفتقد إلى مصادر لتمويل الإنفاق على المتطلبات التي صاحبت الزيادة الهائلة في عدد اللاجئين. وقد تلعب تلك التحولات دورًا في تعزيز الكراهية تجاه اللاجئين السوريين. وعلى جانب آخر تعجز الدولة اللبنانية عن توفير عناية كاملة للاجئين السوريين؛ فهناك صعوبات في تأمين مياه الشرب والطعام بصورة كافية، وكذلك الكساء حيث الشتاء القارس، كما أن الأوضاع المعيشية تدفع بانتشار الأوبئة والأمراض.
كما أن انجرار لبنان إلى صراع داخلي تبقى مسألة مرشحة بقوة تحت تأثير ثلاثة عوامل، الأول، هذا الحضور السوري السني المكثف على الساحة اللبنانية مع تزايد معدلات تدفق اللاجئين، حتى إنهم أصبحوا يمثلون نسبة يعتد بها من سكان لبنان البالغ عددهم تقريبا 4.4 مليون نسمة، وتراجع فرص عودة هؤلاء اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية تحت وطأة التدمير الذي لحق بممتلكاتهم ومدنهم وتحت وطأة استمرار الصراع. والعامل الثاني، هو استمرار الحرب الأهلية في سوريا، لأنها تلقي بتبعات مباشرة على الداخل اللبناني لا سيما في ضوء استمرار تدخل حزب الله عسكريا في الصراع السوري تحت مظلة طائفية. والثالث، أن لبنان يعد أكثر الدول استعدادا لاستقبال الحرب الأهلية السورية، كون الاستقرار السياسي هشًا، وحالة التجاذب بين المكونات السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية والمذهبية شديدة، وفى هذا الصدد لا ننسى خبرة لبنان السابقة مع الحرب الأهلية التي لعب اللاجئون الفلسطينيون دورا في إطلاق شرارتها منتصف السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات.
ثمة تهديدات أخرى ذات أهمية منها احتمال تحول معسكرات اللاجئين إلى بيئة مناسبة لتجنيد العناصر المقاتلة من جانب الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، بل واستقطاب بعض اللاجئين باتجاه التطرف والانخراط في أنشطة تضر بالأمن الداخلي، وقد سبق وصرح وزير الداخلية اللبناني مروان شربل بأن العديد من اللاجئين في الحقيقة هم مقاتلو الثوار ولذلك هم يمثلون تهديدا للأمن في لبنان. ونتيجة تورط عدة سوريين في هجمات إرهابية داخل لبنان، وبالتزامن مع التصعيد في ملف اللبنانيين المحتجزين لدى جبهة النصرة، تصاعدت نبرة العداء تجاه اللاجئين السوريين من جانب اللبنانيين. ولمعالجة الأزمة تتجنب القوى السياسية اللبنانية جر الساحة الداخلية لحالة استقطاب تفضي إلى صراع مفتوح، كما أوقفت الحكومة استقبال لاجئين جدد وشجعت اللاجئين الحاليين على العودة إلى بلادهم؛ لتخفيف الضغوط الأمنية والاقتصادية والخدمية، كما تطالب لبنان بمساعدات دولية من أجل مواجهة متطلبات الأزمة وتسهم بعض الدول العربية وكذلك الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي بنصيب من تكاليف وأعباء استضافة اللاجئين في لبنان.
- الأردن
استقبلت الأردن بحسب المفوضية السامية للاجئين 700 ألف لاجئ، في حين تقديرات الحكومة الأردنية تصل إلى 1.5 مليون لاجئ، منهم 200 ألف لاجئ فقط داخل المخيمات، وبحسب وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني ناصر جودة؛ فإن اللاجئين السوريين يمثلون حاليا 21 % من إجمالي عدد سكان الأردن. وتظهر دراسة لمركز الفنيق للدراسات أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن يصل اليوم إلى مليون و300 ألف، بينهم 531 ألفا مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين، إضافة إلى 700 ألف سوري كانوا يقيمون في الأردن قبل بداية الأزمة السورية، ولم يتمكن غالبيتهم من العودة، وما يقرب من 20 % من هؤلاء اللاجئين في مخيمات مخصصة لهم، في حين وجد الباقي مأوى لهم في المدن والمناطق الريفية في جميع أنحاء المملكة، بينما تستضيف العاصمة عمان ومحافظتا إربد والمفرق أكثر من ثلاثة أرباعهم.
وتشهد عملية رصد الأعداد الحقيقية للاجئين السوريين في الأردن تضاربا ملفتا بين الأرقام التي تتحدث عنها مفوضية شؤون اللاجئين وتلك التي تعلنها الحكومة؛ فيما يعود هذا التضارب إلى أن المفوضية لا تحصي إلا المسجلين لديها رسميا، بينما تقوم الحكومة بإحصاء كل سوري دخل المملكة عبر المنافذ الحدودية الرسمية أو غير الرسمية، أي المنافذ الحدودية في المناطق منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين.
ويفترض أن بقاء هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين لفترات أطول في الأردن، قد يتسبب في خلل في الاستقرار الاجتماعي والتعايش الداخلي الهش بالأساس، وربما استقرار النظام برمته؛ لهذا توجد ثمة مخاوف أردنية من التأثيرات السلبية لحركة اللاجئين السوريين على الأوضاع الديمغرافية المضطربة في الأردن بالأساس، وتتمثل المشكلة في أنه كلما طالت فترة بقاء اللاجئين السوريين في الأردن، زادت احتمالية بقائهم، والأردن لديها خبرة لا تعتبرها إيجابية فيما يتعلق باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين والذين يشكلون 60 بالمائة من عدد السكان، وفي معسكر الزعتري للاجئين الذي لم تكن فيه ذات يوم سوى خيام، أصبح فيه الآن المزيد من البيوت الدائمة المتنقلة والمجهزة بأطباق صناعية.
وعامل آخر يرتبط بحركة اللاجئين تجاه الأردن، وهو مضاعفة المخاطر الأمنية نتيجة تحول الحدود الأردنية لمنطقة حرب، وهو ما يتسبب في زيادة فرص تسلل العناصر الخطرة من اللاجئين ذهابا وإيابا، ومن ثم زيادة المشكلات الأمنية، كارتفاع معدلات الجريمة في بعض المدن أو توجه بعضهم للانخراط في أنشطة إرهابية لا سيما أن هناك بوادر لبداية ظهور تطرف سلفي داخل الأردن.
أما اقتصاديا تتحمل الأردن تكاليف استضافة اللاجئين السوريين الذين يقترب عددهم من مليون ونصف لاجئ، وهو الأمر الذي أدى لزيادة عدد السكان بنسبة بين 7:9 % من عدد السكان، وهو ما أدى للضغط على الموارد والبنى التحتية وزاد من عجز الموازنة، وأثر على معدلات النمو الاقتصادي، وتسبب في ارتفاع أسعار الإيجارات ومزاحمة الأردنيين في الوظائف وفرص العمل المحدودة بالأساس، بل وخفض الأجور وارتفاع أسعار الغذاء، هذا ناهيك عن أن الاقتصاد الأردني تأثر بحالة الانهيار في سوريا؛ حيث توقف النشاط التجاري بين البلدين وخسرت الأردن السوق السورية، كما خسرت طريق التجارة السوري إلى تركيا وأوروبا وتم استبداله بطريق العراق مما حمل الموازنة مزيدا من التكاليف الإضافية.
إن استيعاب اللاجئين مثل عبئا على الاقتصاد الأردني؛ حيث يعيش معظم اللاجئين السوريين في المدن السورية، وهو ما يساهم في رفع أسعار الإيجارات السكنية بنسب تصل إلى ما يقرب من 25%، وتفيد بعض التقارير بأن 500 شركة سورية قد انتقلت إلى الأردن منذ عام 2011، وبالطبع يسبب المعروض من العمالة ضغطا على فرص العمل المتاحة، ويتجسد عمق الأزمة إذا ما تمت ملاحظة ارتفاع معدل البطالة بين الأردنيين لتصل إلى 30%، ولمعالجة ملف اللاجئين قامت الأردن بتأسيس مخيم الزعترى بالقرب من مدينة المفرق بجانب مخيم آخر بالقرب من مدينة الزرقاء، هذا إلى جانب ما تستقبله المدن الأردنية من سوريين، وقامت السلطات بإجراءات تتسم بالتشديد الأمني بما يحول دون حرية حركة اللاجئين خارج مناطق المخيمات، كما أن الأردن لديه خطة في حالة سقوط الأسد واتساع نطاق الفوضى تهدف إلى استبدال سياسة استقبال اللاجئين بتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية لهم داخل الحدود السورية.
وبحسب إحصاءات رسمية فإن حجم المساعدات (منح وقروض ميسرة) التي حصلت عليها المملكة خلال الأعوام 2011-2013 تبلغ 6.9 مليار دينارا، وهو ما يوازي ثلاثة أضعاف ما كانت تحصل عليه المملكة قبل أزمة اللاجئين السوريين، وهو ما يعني حرصًا إقليميًا ودوليًا لا سيما من جانب الولايات المتحدة على استقرار الوضع في الأردن، وتوفر الأردن قدرا من الرعاية الصحية والخدمات التعليمية والرعاية الاجتماعية بمساعدة المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية.
وهنالك سلسلة إجراءات وآليات تعامل بها الأردن مع تدفق أفواج اللاجئين من سورية منذ بدء الأزمة السورية حيث بدأ اللاجئون بالقدوم بطريقة غير قانونية وتم إيواؤهم في مراكز خاصة وعامة في مدينة الرمثا. كما سمحت الحكومة لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بإنشاء مجموعة من المكاتب في مراكز الإيواء، وأقرت نظام “التكفيل” بحيث يتم السماح لبعض الأسر والأفراد بإيواء بعض اللاجئين ضمن شروط، وتم تحديد مرجعية واحدة لشؤون اللاجئين وهي الهيئة الخيرية الأردنية للإغاثة والتنمية والتعاون العربي الإسلامي، ودورها التعامل مع الجهات الخيرية المحلية والأجنبية الراغبة بتقديم التبرعات.
- العراق
للعراق وضع خاص فيما يتعلق بقضية اللاجئين السوريين، وذلك لعدة اعتبارات أهمها، أن العراق كدولة تعانى من أزمة مشابهة لما تمر به سوريا؛ حيث إن الأوضاع السياسية غير مستقرة، والنظام السياسي غير متماسك وتعزز سلطته الانقسام المناطقي والطائفي، كما أن الدولة تواجه مخاطر الإرهاب والتفكك، وهيمنة المليشيات غير النظامية، وتحت تأثير تلك العوامل فإن العراق يعد أحد أهم الدول المصدرة للاجئين في الإقليم كما هو حال سوريا، وثمة اعتبار آخر هو أن السلطة في العراق تمثل الشيعة وهم منخرطون في الصراع السوري إلى جانب تحالف إيران/الأسد/حزب الله، ومن ثم لا يمثل كل العراق جغرافيا مناسبة لاستقبال اللاجئين السوريين السنة، لهذا فإن غالبية اللاجئين السوريين هم من أصل كردي، ويلجأ معظمهم إلى إقليم كردستان العراق، هذا فضلا عن اعتبار آخر هو سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الحدود السورية العراقية وعلى المعابر الحدودية بين البلدين منذ إعلان دولتهم المزعومة في منتصف 2014.
ويلاحظ أنه مع بداية الأزمة قررت الحكومة العراقية في منتصف 2012، بناء مخيمات للاجئين السوريين عند معبري ربيعة (اليعربية)، والقائم (البوكمال)، وخصص مجلس الوزراء نحو 40 مليون دولار لإغاثة ومساعدة العراقيين العائدين من سوريا وتهيئة مستلزمات استقبال اللاجئين السوريين، لكن سرعان ما قررت الحكومة إغلاق الحدود في وجه اللاجئين بعدما امتدت المعارك بين الجيش السوري الحر والقوات الحكومية إلى الحدود وتزايد نشاط المقاتلين على الحدود واستخدامها كساحات خلفية للقتال، ثم فقدت بعد ذلك الحكومة سيطرتها على الحدود بإعلان داعش عن دولتهم المزعومة، ومن ثم أغلقت الحدود أمام حركة اللاجئين باستثناء المناطق الكردية.
وبحسب أخر تقرير للمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في العراق 249 ألفا، من ضمن هؤلاء 225 ألف سوري ممن لجؤوا إلى إقليم كردستان العراق أي ما يمثل 97% من اللاجئين السوريين في العراق بعد أن منعت المنطقة المركزية العراقية من دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيها. وأكثر من 90% من اللاجئين السوريين في إقليم كردستان هم من السوريين الأكراد، ويتزايد عددهم باضطراد مع تصاعد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على المناطق الكردية في تل أبيض وعين العرب كوبانى والحسكة وغيرها من المدن ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي السوري.
وقد ظهرت سياسات تمييزية من جانب سلطة الإقليم في استقبال اللاجئين السوريين على أسس عرقية، وفي هذا الإطار اعتبرت منظمة العفو الدولية عدم السماح لغير الأكراد من السوريين بالتواجد في إقليم كردستان العراق وإعادتهم للحدود السورية مرة أخرى انتكاسة لحقوق اللاجئين، واعتبرت العراق من الدول التي لا تتجاوب مع الأزمة تجاوبا إيجابيا، ناهيك عن قيام حكومة الإقليم باتخاذ إجراءات من شأنها تقييد حرية التنقل، والإقامة، والبحث عن فرص عمل.
وتحملت الحكومة المركزية تكاليف الإنفاق على اللاجئين السوريين حيث أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين أن 70 مليار دينار عراقي تم صرفها على اللاجئين السوريين منذ عام 2012. ورغم ذلك يعاني إقليم كردستان من تبعات ارتفاع معدلات اللجوء، حيث تضغط حركة اللاجئين على الموارد والبنى التحتية، وتشير بعض التقارير إلى أن غالبية اللاجئين لا يمتلكون القدرة على تلبية احتياجاتهم، كما يفتقدون مصادر الدخل. وارتفعت معدلات إيجار السكن بنسبة 20% تقريبا، كما ارتفعت معدلات إيجار المحال التجارية بنسبة 10-15%، وكذلك ارتفعت أسعار السلع الأساسية والغذاء، مع أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان ارتفاع الأسعار ناتجا عن ارتفاع الطلب نظرًا لوجود اللاجئين، ولا شك تساهم تلك المؤشرات في ارتفاع معدلات الفقر. ولا يمكن إغفال سياسة الحكومة الكردية بالسماح للاجئين بالعمل، حيث عد ذلك عاملا مهما في معالجة الأزمة لا سيما وأن لدى الإقليم قدرة على استيعاب تلك الكتلة الديمغرافية الكبيرة نظرا لقلة عدد سكان الإقليم وتمتعه بموارد وفوائض مالية ضخمة، لكن تبقى فرص العمل تواجه سياسات محلية تمييزية تجاه اللاجئين السوريين الأكراد.
- مصر
تعد مصر من الدول الخمس الرئيسية المستقبلة للاجئين السوريين، حيث يبلغ عددهم في مصر نحو 132 ألفا وفقا للمفوضية العليا للاجئين، في حين تقدر وزارة الخارجية المصرية عدد اللاجئين السوريين بـ 320 ألفا منذ بدء الصراع. ولا توجد أي مخيمات للاجئين في مصر، ويسكن هؤلاء السوريون في بيوت يقومون باستئجارها، ويقومون بأنفسهم بتأمين الموارد الكافية لحياتهم، سواء من خلال العمل، أو من خلال التحويلات التي يحصلون عليها من أقاربهم خارج مصر؛ كما أن بعض الجمعيات الخيرية تساهم في دعم اللاجئين الذين لا تتوفر لهم مثل هذه الموارد. حيث وفرت بعض الجمعيات الخيرية مساكن للاجئين، فيما قدمت جمعيات أخرى الطعام والألبسة والمساعدات المالية، ويواجه السوريون في مصر مشكلة في الحصول على البيوت المناسبة للاستئجار، نتيجة لارتفاع الإيجارات، وهي مشكلة تواجه المصريين بشكل عام، إلا أن اللاجئين يتعرضون لابتزاز بعض المكاتب العقارية التي تستغل معاناة اللاجئين، ومحدودية خياراتهم. ومثلت مصر مطلع الأزمة بيئة جاذبة للاجئين وذلك حتى منتصف عام 2013، حيث اعتمدت الحكومات المصرية المتعاقبة سياسات إيجابية تجاه التعامل مع قضية اللاجئين، حيث اتخذت مصر قرارا جمهوريا في 2012 ويجدد سنويا بمساواة معاملة اللاجئين السوريين في مصر بنفس معاملة المواطن المصري فيما يتعلق بالخدمات الصحية، كما تم بموجب القرار إعفاء الطلاب السوريين في جميع المراحل التعليمية (أساسي- جامعي) من الرسوم الدراسية، فضلا عن أن الجامعات المصرية تقبل شهادات الثانوية العامة السورية بصرف النظر عن تاريخ الحصول عليها، الأمر الذي ساهم في جعل معدلات التحاق أبناء اللاجئين السوريين في مؤسسات التعليم المصرية هي الأعلى بين الدول المضيفة لهم.
لكن منذ مطلع يونيو 2013 ونتيجة التغيرات السياسية التي شهدتها الساحة المصرية وتصاعد معدلات العنف والاستقطاب والصراع السياسي، بدأت الحكومة المصرية الجديدة في انتهاج سياسات أكثر تشددا تجاه اللاجئين السوريين، أهمها مطالبة السوريين بتأشيرات لدخول أراضيها، كما رحلت العشرات من اللاجئين، وقد شهدت تلك المرحلة حملة إعلامية استهدفت السوريين في مصر، اتهم فيها اللاجئون السوريون بدعم جماعة الإخوان المسلمين والمشاركة في اعتصامات ميدان رابعة وبعض الميادين، وساهمت تلك الحملة في الحض على كراهيتهم في أوساط شعبية واسعة رافضة لسلوك جماعة الإخوان.
كما تعرض اللاجئون السوريون لبعض التعسف الأمني في إطار محاولة جهود الأجهزة الأمنية لتحقيق الاستقرار وضبط الأوضاع الداخلية، لا سيما بعد تزايد معدلات العنف ضد أجهزة الدولة، وتصاعد المواجهات الإرهابية، وجاء ذلك في سياق محاولة مراقبة أوضاع اللاجئين وتتبع العناصر التي قد تكون على علاقة بجماعات متطرفة في الداخل أو الخارج؛ كما شعر بعض من اللاجئين السوريين المعارضين بمخاطر الوضع في مصر بعدما أصدرت الحكومة المصرية قرارا يقضي بتسليم الملاحقين من دولهم من غير المصريين إلى حكومات بلادهم بناء على طلب تقدمه الدولة للحكومة المصرية.
وفى إطار تحولات البيئة المصرية بالنسبة للاجئين السوريين فقد اعتبر كثير منهم مصر محطة انتظار لحين الرحيل إلى بلد أفضل حالًا؛ لذا يرفض أغلبهم التسجيل في مكتب مفوضية اللاجئين بمصر، أملا في الحصول على فرصة اللجوء إلى دول أوروبا، وقد أدى اليأس ببعض السوريين في مصر للاتجاه إلى الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا في قوارب غير مؤهلة للإبحار المأمون وهو ما عرض كثيرا منهم للخطر[28].
المطلب الثالث: تركيا وأزمة اللاجئين
وشددت ميركل على ضرورة تنسيق جهد أوروبي مشترك للتعامل مع الأزمة التي من المتوقع أن تسيطر على قمة أوروبية في بروكسيل، ودعت – في كلمة أمام البرلمان الألماني قبل سفرها للمشاركة في القمة – إلى توفير المزيد من الدعم إلى تركيا كي يتسنى لها التعامل مع اللاجئين الذين لاذوا بها.
وتشير تقديرات إلى أن تركيا تستضيف أكثر من مليوني شخص فروا من الحرب الدائرة في سوريا، ويعتقد معظم قادة الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي التعاون بشكل أكبر مع أنقرة لاحتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا؛ إذ قالت ميركل: “معظم اللاجئين الفارين من الحروب جاؤوا إلى أوروبا عبر تركيا، ولن يمكننا تنظيم ووقف حركة اللاجئين من دون العمل مع تركيا” وتقول منظمة الهجرة الدولية إن حوالي 600 ألف شخص وصلوا إلى دول الاتحاد الأوروبي بحرا هذا العام عبر تركيا؛ لذا يسعى زعماء الاتحاد الأوروبي إلى تعاون أكبر مع تركيا في هذا الملف.
ويحرص الزعماء على أن توقع الحكومة التركية على خطة عمل مشتركة تتضمن التالي:
- توفير دعم مالي وإجرائي أكبر لتركيا لتمكينها من التعامل مع المهاجرين.
- الحصول على إذن من تركيا للمساعدة في تسيير دوريات حراسة للساحل.
- مواجهة مهربي البشر.
- تعزيز عمليات إعادة المهاجرين.
في المقابل، سوف تتخذ تركيا تدابير تشمل تطبيق إجراءات اللجوء وإعطاء أولوية لـ “فتح مراكز استقبال اللاجئين الست التي بنيت بتمويل ساهم فيه الاتحاد الأوروبي.”، غير أنه من المتوقع أن تضغط الحكومة التركية من أجل تحقيق تقدم أسرع نحو السفر بدون تأشيرة لمواطنيها إلى الدول الأوروبية التي ألغت مراقبة الحدود في إطار المنطقة التي باتت تعرف باسم شنغن، وقبل اجتماع بروكسل المرتقب الخميس، حذر دونالد توسك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي من أن التنازلات سوف تمنح فقط لو ساعدت تركيا في خفض تدفق اللاجئين الذي لا يزال عند مستواه القياسي، ومن المتوقع أن تزور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تركيا نهاية الأسبوع لبحث أزمة المهاجرين.
ويقول مراسل بي بي سي لشؤون أوروبا، كريس موريس، إنه بعد شهور من المحادثات بشأن إعادة توزيع عشرات الآلاف من المهاجرين، يولي الاتحاد الأوروبي اهتمامه بمنع وصول المهاجرين غير المرغوب فيهم، وإعادة من رُفضت طلبات لجوئهم إلى بلادهم، أضاف موريس أن عددا قليلا من دول الاتحاد الأوروبي يمكنها ترحيل المهاجرين؛ إذ إن المسؤولية في هذه الحالة تقع على كل دولة بشكل منفرد[29].
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع ميركل، قال داوود أوغلو إن تركيا ستبذل جهدها للعمل مع ألمانيا لمنع الهجرة غير الشرعية، لكنه أضاف أن الأزمة لا يمكن حلها بدون حل للصراع السوري، وقالت ميركل إن ألمانيا كانت جاهزة لدعم تسريع مباحثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ويصل عشرات آلاف اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي من تركيا، مخاطرين أحيانا بعبور أمواج البحر العاتية إلى الجزر اليونانية، وقد شهد السبت الماضي حاث غرق 12 لاجئا، بينهم أربعة أطفال، أثناء محاولتهم الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، يعتقد أنهم من سوريا وأفغانستان[30].
لقد كان الهدف من الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي دخل حيّز التنفيذ في مارس/آذار المنصرم، هو إعادة كل سوري وصل على نحو غير نظامي موجود على الجزر اليونانية إلى تركيا، وذلك بناءً على الزعم الكاذب بأن تركيا مكان آمن للاجئين، وقد وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على استقبال لاجئ واحد من اللاجئين السوريين من تركيا مقابل كل سوري يُعاد إلى البلاد من الجزر اليونانية، لكن من الصعب رؤية ما إذا كانت هذه الصفقة تعبيرًا صادقًا عن التضامن مع اللاجئين – أو بالنسبة لتركيا. فهناك أكثر من 2.8 مليون لاجئ سوري في تركيا حاليًّا؛ أما الاتحاد الأوروبي فكل من استقبلهم بموجب الاتفاق حتى الآن من هؤلاء لا يزيد إلا قليلًا عن 3000 شخص.
إن انتهاك حقوق الإنسان هي جزء لا يتجزأ من الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي يتم بموجبه إعادة الأشخاص الذين لديهم حق قانوني في المطالبة بالحماية إلى بلد لا يمكن ضمان سلامتهم وحقوقهم الأساسيّة فيه، وعلى نحو مماثل، يجري احتجاز اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في الجزر اليونانية تلقائيًا، ويتعرضون لظروف معيشية بائسة، ويعيشون في حالة خوف على أمنهم؛ كما لايزال الوصول إلى إجراءات اللجوء أمرًا إشكاليًّا، إذ ينتظر كثير من الأشخاص لأشهر حتى يتسنّى لهم مجرّد التسجيل على طلب اللجوء. وقد وثّقت منظمة العفو الدولية كذلك عمليات غير قانونية لإعادة طالبي لجوء إلى تركيا في انتهاك فاضح لحقوقهم بموجب القانون الدولي.
في الماضي، كان زعماء الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم موغيريني نفسها، يدّعون أن صفقة مماثلة مع ليبيا أمر لا يمكن تصوره، وفي الأسبوع الماضي، حدث الأمر الذي لم يكن بالإمكان تصوره، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي وإيطاليا أنهما توصلا إلى اتفاقات مع ليبيا. بالنسبة للفارين من ليبيا، فهذا يعني أنه بدلًا من أن تتم معالجة ومراجعة طلباتهم في أوروبا، فسوف يعادون إلى ليبيا – أي إلى البلد الذي خاطروا بحياتهم للهروب منه – على يد خفر السواحل التابعين لذلك البلد، وحتى الآن لم يرشح أي كلام عما يمكن أن يحصل لهم بعدها، ولكننا نعلم أن الغالبية الساحقة من المهاجرين واللاجئين في ليبيا يجدون أنفسهم في مراكز احتجاز لا تليق بالبشر، حيث يتعرّضون لخطر الاغتصاب والتعذيب والموت جوعًا[31]. تنتهج تركيا سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين السوريين؛ فهي تستضيف ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة، حتى وصل عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا، مع نهاية مايو 2015 حوالي 1,76 مليون لاجئ وفقا للإحصاءات التركية الرسمية، ويتوافق هذا العدد مع إعلان مفوضية الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية بأن عدد اللاجئين في تركيا بـلغ مليونا وسبعمائة ألف، بزيادة واضحة لما كان عليه أوائل عام 2014، وبهذا تعد تركيا أكبر دولة تستضيف عددًا من اللاجئين في العالم.
ولا شك تؤثر أزمة اللاجئين على الاقتصاد التركي الذي تحمل تكلفة مادية تقدر بستة مليارات دولار منذ بداية الأزمة حتى أول مارس 2015 بحسب خالد جيفيك مندوب تركيا الدائم لدى هيأة الأمم المتحدة، ولم تتلق تركيا من هذا المبلغ سوى ما يقرب من 300 مليون دولار، حيث أنفقت تلك الأموال في إنشاء العديد من مخيمات اللاجئين وبعض مراكز الاستقبال المؤقتة في تركيا، وتوفير أماكن للإقامة على المدى الطويل والرعاية الصحية وفرص التعليم؛ وقد سبق تلك الإجراءات إنشاء “نظام حماية مؤقت” استنادا إلى توجيه من الاتحاد الأوروبي بشأن التشريد الجماعي، لكن لا يسمح للوافدين السوريين بالوصول إلى نظام اللجوء الذي يوفره “مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، كما أنه لا يشمل حق العمل. وبناء على ذلك، توفر أنقرة اللجوء المؤقت لأي شخص يعبر الحدود دون جواز سفر، ولكن بشرط الإقامة في مخيم للاجئين، وقد نجح العديد من السوريين في التغلب على هذا الشرط بعبورهم الحدود بطريقة غير مشروعة، بينما دخل البعض الآخر بجواز سفر لكنهم تجاوزوا المدة المتاحة لإقامتهم التي أمدها ثلاثة أشهر، وينتشر هؤلاء في المدن التركية ويضغطون على سوق العمل، ويمثلون عبئًا اجتماعيا وأمنيا في الداخل.
وثمة مخاوف تركية من أن يؤدي تصاعد العنف الطائفي في سوريا والإقليم إلى تصدعات موازية على الجبهة الداخلية، قد يلعب فيها اللاجئون المنحدرون من أصل سني دورًا، إلى جانب العلويين الأتراك المتعاطفين مع النظام السوري؛ فتركيا هي موطن لأكثر من نصف مليون من العلويين العرب، الذين يدينون بنفس ديانة الأسد، ومعظمهم يعيشون في أقصى جنوب إقليم هاتاي وقد أدى ذلك فى وقت سابق إلى اتخاذ السلطات التركية بعض التدابير، مثل نقل بعض اللاجئين العرب السنة إلى مخيمات في داخل تركيا، بعيدا عن محافظة هاتاي المختلطة للسنة والعلويين. ورغم ذلك، لا يزال لدى أنقرة ما يدعوها للقلق، لا سيما بعد تدفق أعداد أكبر من اللاجئين السوريين السنة. ورغم تلك السياسة الإيجابية التي شجعت تدفق حركة اللاجئين باتجاه تركيا، فإن اندلاع المعارك فى عين العرب كوباني بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وبين قوات الحماية الكردية فى الشمال قرب الحدود التركية وما صاحبه من موجة لجوء كردي قدرت بـ 156 ألف نسمة باتجاه الحدود التركية، بجانب موجة أخرى من اللاجئين العرب والتركمان بعد تقدم قوات الحماية الكردية فى المناطق العربية، قد أثارت حفيظة السلطات التركية، التي بدأت في التدقيق والتشدد باتجاه استقبال مزيد من اللاجئين، لاسيما وأن هناك شكوكًا لتسلل عناصر متشددة بين اللاجئين، وكذلك الخوف من عمليات تهجير قسري تستهدف إحداث تغييرات ديمغرافية لصالح الأكراد على الحدود مع تركيا، وما يثيره ذلك من حساسية تركية وما يطرحه من إشكاليات مستقبلية مرتبطة بالطموح الكردي في تأسيس كيان ذاتي في المنطقة، وهو ما تراه تركيا تهديدا مصيريا لمصالحها.
ولعل التحريك الديمغرافي بطول الحدود التركية سواء مع العراق أو سوريا، وكذلك إغلاق الباب أمام استقبال مزيد من المهجرين قسريا على الحدود على غرار ما قامت به دول لبنان والأردن ومصر، فضلا عن التصريح علنا برفض تركيا أي تغييرات ديمغرافية في المنطقة والتأكيد على أنها ستقف ضد أي مشروع أو عمل يؤشر لمدى مخاوف تركيا. وفى ضوء تلك التحديات، بجانب استمرار الصراع ومن ثم صعوبة عودة كثير من اللاجئين إلى مواطنهم؛ فإن تركيا تفكر جديا في إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري؛ تحول دون تدفق المزيد من اللاجئين. وثمة عوامل أخرى تعزز تفكير السلطات التركية في دعم مناطق آمنة داخل الحدود السورية، أهمها، تزايد معدلات التطرف لا سيما بين اللاجئين الذين قد يطول بقاؤهم في أوضاع بائسة داخل تركيا، وقد يكونون مصدرًا لعدوى تصيب الداخل التركي بأمراض التطرف والعنف الطائفي، ومن ثم يمثل الشروع في نقل اللاجئين لمناطق آمنة حائط صد لمواجهة انتقال التأثيرات السلبية للوضع في سوريا. وفى الإطار ذاته تستفيد تركيا، وربما تطور السلطات التركية تكتيكاتها باتجاه تدخل عسكري في شمال سوريا؛ بما يسمح لها بغلق ملف اللاجئين المربك للأوضاع السياسية في الداخل والذي أصبح مسار تجاذب بين القوى المتنافسة مع حزب العدالة والتنمية على السلطة، لا سيما وأن التواجد السوري المتزايد في المدن والمخيمات في تركيا ساهم في تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية ضد سياسة حزب العدالة والتنمية الذي تراجعت نتائجه في الانتخابات الأخيرة[32].
الخاتمة:
خلص الباحث من خلال هذه الدراسة إلى معرفة الأسس التي بنيت عليها مسألتي الهجرة واللجوء الإنساني وانعكاسات ذلك على الوضع السياسي والاقتصادي وعلى السلم والأمن الدوليين. وقد مثلت هذه الأزمة انعدامًا للاستقرار وترديًا للأوضاع السياسية والاقتصادية على دول “العالم المتقدم”؛ مما يجعل هذه الدول تحمل تباينات داخلية وفيما بينها حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة، بيد أنه بات واضحًا أن “العالم المتخلف” ليس مصدرًا للخام وسوقًا للسلع فقط، وأن عدم السعي الجدي من قبل الدول المتقدمة نحو الحفاظ على الاستقرار والدعم الحقيقي لعميات التنمية ومحاولات النهوض بالدول الفقيرة سيؤدي لحدوث كوارث لا تتعلق بدول الفقيرة وحدها بل تمتد آثارها لدول المتقدمة. مما يؤثر ليس فقط على الاستقرار في بعض مناطق العالم –كالشرق الاوسط- بل على العالم ككل وعلى السلم والأمن الدوليين. وستجد الدول المتخلفة في أزمة المهاجرين عامل تأثير على سياساتها الخارجية وعلى مجرى السياسة الدولية. فلن يكون من الصعب حل مشكلة المهاجرين رغم المخاوف الغربية فيما يتعلق بمسألتي الهوية والإرهاب إذا ما فكرت الدول الأوروبية ليس من منطلق الوعي القومي القاصر على الفهم بل من منطلق الأبعاد الإنسانية ومعالجة المخاوف من الهوية تحت مظلة التنوع الثقافي ومراعاته واعتباره عامل إثراء للحضارات إذا ما أدير بالشكل الجيد الذي لا ينفيه ولا يتعارض معه. والتعامل مع مسألة الإرهاب بعيدًا عن الدين الإسلامي، بل باعتباره قضية مهمة وشائكة ليس لأوروبا والغرب فحسب بل للعالم أجمع وأن الحرب ضد الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله هو قضية إنسانية عالمية تتضافر فيها الجهود الدولية الرسمية والشعبية. ولن تحل مشكلة الإرهاب بمنع الآخر والانكفاء على الذات، والذي يبدو أمرًا مستحيلا في عصر العولمة والتأثيرات المتبادلة.
المراجع:
- تزيفتان تودوروف، تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ترجمة: محمد الجرطي، كتاب الدوحة، (قطر: وزارة الثقافة والفنون والتراث، اغسطس 2014) ع:38
- ما هو الفرق بين اللجوء والهجرة – مقارنة شاملة، على الرابط: https://www.immig-us.comugn /الفرق-بين-اللجوء-والهجرة/
- آلن ترافيس، الفرق بين اللاجئ والمهاجر وطالب اللجوء، ترجمة: خالد قاسم، 01/9/2015 ، 12:00صباحا، صحيفة الغارديان البريطانية، على موقع جريدة الصباح، على الرابط: http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=99228
- موقع: linkedin ، الفرق بين الهجرة ( الإقامة الدائمة) واللجوء، على الرابط: https://ae.linkedin.com/pulse/الفرق-بين-الهجره-الإقامة-الدائمة-و-اللجوء-elham-ali
- هدى الشيمي، ما الفرق بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء، موقع مصراوي، على الرابط: http://www.masrawy.com/News/News_Press/details/2015/8/31/647760/ما-الفرق-بين-المهاجر-واللاجئ-وطالب-اللجوء-
- جان – فليب لافواييه، اللاجئون والأشخاص المهجرون : القانون الدولي الإنساني ودور اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المجلة الدولية للصليب الأحمر، 30-04-1995، العدد 305، موقع اللجنة الدولية للصليب الاحمر، على الرابط: https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/5zxhvp.htm
- هاني سليمان، السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين: ثلاثية الأمن، الهوية، والقيم الإنسانية، نشر في: الإثنين 29/أغسطس/2016 – 02:42 م، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات على الرابط: http://www.acrseg.org/40345
- جورج كدر، صدمة بهولندا لفشل برامج إدماج اللاجئين، 29-5-2016، موقع: http://www.aljazeera.net
- حسام شاكر، اللاجئون والإفاقة من الحلم الأوروبي، موقع الجزيرة نت، 30/8/2015، على الرابط:\ http://www.aljazeera.net
- رولان مرعب، تداعيات الهجرة غير الشّرعيّة على أوروبا وأبعادها، موقع الدفاع الوطني اللبناني: https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/تداعيات-الهجرة-غير-الشّرعيّة-على-أوروبا-وأبعادها
- سي إن إن، لمحة سريعة عن مواقف دول أوروبية من أزمة اللاجئين، الرابط: http://arabic.cnn.com/world/2015/09/06/migrant-crisis-country-country
- روسيا اليوم، 630 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا أوروبا.. ولا حل للأزمة في الأفق، الرابط:
- كارن أبو الخير، ملامح الجدل الأوروبي حول الهجرة والإسلام، الرابط: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/12/116/1663/ملفات/ملفات/ملامح–الجدل-الأوروبي-حول–الهجرة-والإسلام-.aspx
- موقع العربي الجديد، العفو الدولية: موقف أوروبا في أزمة اللاجئين مخز، 24/فبراير/2016م https://www.alaraby.co.uk/society/2016/2/24/العفو-الدولية-موقف-أوروبا-في-أزمة-اللاجئين-مخز
- نشرة الهجرة القسرية، على الرابط: http://www.fmreview.org/ar/destination-europe/bintalal.html
- محمود حمدى أبوالقاسم، ديمغرافيا متحركة أزمات اللاجئين السوريين في دول الجوار، مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية،
- البنك الدولي يمنح قروضا إضافية للدول المجاورة لسوريا، 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على الرابط،
- موقع قناة BBC، 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/10/151015_migrants_eu_leaders_meeting_turkey
- موقع بوليتيكو، منظمة العفو الدولية، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2017/02/europes-cruel-migration-policies-weaken-its-trump-criticism/
[1] ما هو الفرق بين اللجوء والهجرة – مقارنة شاملة، على الرابط: https://www.immig-us.comugn /الفرق-بين-اللجوء-والهجرة/
[2] آلن ترافيس، الفرق بين اللاجئ والمهاجر وطالب اللجوء، ترجمة: خالد قاسم، 01/9/2015 ، 12:00صباحا، صحيفة الغارديان البريطانية، على موقع جريدة الصباح، على الرابط: http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=99228
[3] موقع: linkedin، الفرق بين الهجرة ( الإقامة الدائمة) واللجوء، على الرابط: https://ae.linkedin.com/pulse/الفرق-بين-الهجره-الإقامة-الدائمة-و-اللجوء-elham-ali
[4] هدى الشيمي، ما الفرق بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء، موقع مصراوي، على الرابط: http://www.masrawy.com/News/News_Press/details/2015/8/31/647760/ما-الفرق-بين-المهاجر-واللاجئ-وطالب-اللجوء-
[5] آلن ترافيس، الفرق بين اللاجئ والمهاجر وطالب اللجوء، ترجمة: خالد قاسم، 01/9/2015 ، 12:00صباحا، صحيفة الغارديان البريطانية، على موقع جريدة الصباح، على الرابط: http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=99228
[6] موقع: linkedin ، الفرق بين الهجرة ( الإقامة الدائمة) واللجوء، على الرابط: https://ae.linkedin.com/pulse/الفرق-بين-الهجره-الإقامة-الدائمة-و-اللجوء-elham-ali
[7] آلن ترافيس، الفرق بين اللاجئ والمهاجر وطالب اللجوء، ترجمة: خالد قاسم، 01/9/2015 ، 12:00صباحا، صحيفة الغارديان البريطانية، على موقع جريدة الصباح، على الرابط: http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=99228
[8] هدى الشيمي، ما الفرق بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء، موقع مصراوي، على الرابط: http://www.masrawy.com/News/News_Press/details/2015/8/31/647760/ما-الفرق-بين-المهاجر-واللاجئ-وطالب-اللجوء-
[9] موقع linkedin، مرجع سابق، على الرابط:
[10] جان – فليب لافواييه، اللاجئون والأشخاص المهجرون: القانون الدولي الإنساني ودور اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المجلة الدولية للصليب الأحمر، 30-04-1995، العدد 305، موقع اللجنة الدولية للصليب الاحمر، على الرابط: https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/5zxhvp.htm
[11] هاني سليمان، السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين: ثلاثية الأمن، الهوية، والقيم الإنسانية، نشر في: الإثنين 29/أغسطس/2016 – 02:42 م، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات على الرابط: http://www.acrseg.org/40345
[12] جورج كدر، صدمة بهولندا لفشل برامج إدماج اللاجئين، 29-5-2016، موقع:
http://www.aljazeera.net
[13] حسام شاكر، اللاجئون والإفاقة من الحلم الأوروبي، موقع الجزيرة نت، 30/8/2015، على الرابط:\ http://www.aljazeera.net
[14] رولان مرعب، تداعيات الهجرة غير الشّرعيّة على أوروبا وأبعادها، موقع الدفاع الوطني اللبناني: https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/تداعيات-الهجرة-غير-الشّرعيّة-على-أوروبا-وأبعادها
[15] تزيفتان تودوروف، تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية، ترجمة: محمد الجرطي، كتاب الدوحة، (قطر: وزارة الثقافة والفنون والتراث، اغسطس 2014) ع:38، ص:79-80
[16] المرجع السابق، ص: 162
[17] المرجع السابق، ص: 168-169
[18] رولان مرعب، تداعيات الهجرة غير الشّرعيّة على أوروبا وأبعادها، موقع الدفاع الوطني اللبناني: https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/تداعيات-الهجرة-غير-الشّرعيّة-على-أوروبا-وأبعادها
[19] سي إن إن، لمحة سريعة عن مواقف دول أوروبية من أزمة اللاجئين، الرابط:
http://arabic.cnn.com/world/2015/09/06/migrant-crisis-country-country
[20] هاني سليمان، مرجع سابق، على الرابط: http://www.acrseg.org/40345
[21] المرجع السابق، على الرابط: http://www.acrseg.org/40345
[22] روسيا اليوم، 630 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا أوروبا.. ولا حل للأزمة في الأفق، الرابط:
[23] كارن أبو الخير، ملامح الجدل الأوروبي حول الهجرة والإسلام، الرابط:
انظر أيضًا: ماذا وراء اعتناق مئات اللاجئين المسلمين في ألمانيا للمسيحية ؟، الرابط:
[24] موقع العربي الجديد، العفو الدولية: موقف أوروبا في أزمة اللاجئين مخز، 24/فبراير/2016م https://www.alaraby.co.uk/society/2016/2/24/العفو-الدولية-موقف-أوروبا-في-أزمة-اللاجئين-مخز
[25] نشرة الهجرة القسرية، مرجع سابق، على الرابط: http://www.fmreview.org/ar/destination-europe/bintalal.html
[26] رولان مرعب، مرجع سابق، https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/تداعيات-الهجرة-غير-الشّرعيّة-على-أوروبا-وأبعادها
- [27] البنك الدولي يمنح قروضا إضافية للدول المجاورة لسوريا، 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على الرابط،
[28] محمود حمدى أبوالقاسم، مرجع سابق،
[29] موقع قناة BBC، 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/10/151015_migrants_eu_leaders_meeting_turkey
[30] موقع قناة BBC، أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/10/151018_migrant_crisis_thousands_enter_slovenia
[31] موقع بوليتيكو، منظمة العفو الدولية، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2017/02/europes-cruel-migration-policies-weaken-its-trump-criticism/
[32] محمود حمدى أبوالقاسم، مرجع سابق،